اليمن ضحية لتنافس الإمارات والسعودية في نشر الفوضى
يظهر اليمن حاليا ضحية لتنافس الإمارات وحليفتها المعلنة السعودية في نشر الفوضى في البلاد وفتح جبهات جديدة للتخريب والتدمير ضمن حرب أبوظبي والرياض المستمرة منذ أكثر من أربعة أعوام.
فبمقتل قائد قوات التحالف في حضرموت (الوادي والصحراء) اليمنية، العقيد في الجيش السعودي، بندر العتيبي، مع أربعة جنود سعوديين ويمنيين، في منطقة شبام حضرموت، في 19 سبتمبر/ أيلول الجاري، وبصرف النظر عن الرواية التي أخذت الواقعة بعيدا عن القول إنها أمر بُيّت بليل؛
يبدو أن فصلاً جديداً من العنف سيجتاح هذا الجزء من المحافظة الذي ظل طوال سنوات الحرب الأربع الماضية خارج مسرح عمليات التحالف مع الحوثي، وخارج سيطرة الإمارات وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي (الانفصالي) الموالية لها؛ حيث تتمتع السلطة الشرعية بالسيطرة الكاملة على هذا الجزء من المحافظة، وتحت مظلة النفوذ السعودي.
ليس مستبعدا أن يكون هذا الحادث مفردةً في مصفوفة أحداث أكثر دمويةً يتوقع حدوثها أو إحداثها، امتدادا لأحداث سابقة، في إطار بعث الصراع الموجَّه مع تنظيم القاعدة، وصراع النفوذ والسيطرة بين الإمارات وحليفها المجلس الانتقالي الجنوبي من جهة، وبين السعودية والسلطة اليمنية الشرعية التي تميل إليها أكثر من الإمارات، من جهة أخرى، مع أن هذا الحادث هو أحد إفرازات أحداث أغسطس/ آب الماضي بين المجلس الانتقالي والحكومة الشرعية، للسيطرة على محافظات عدن وأبين وشبوة، جنوبي البلاد.
لقد دفعت أحداث أغسطس الإمارات إلى التوغل مجدّداً، في حضرموت (الوادي والصحراء)، عبر قادة عسكريين وأمنيين، تربطهم علاقات وثيقة بقادة المجلس الانتقالي، سيما قادة القوات الأمنية التي نُشرت في مدينتي تريم وشبام، ومدينة سيئون قبيل انعقاد مجلس النواب فيها، في إبريل/ نيسان الماضي. ولعل من الأهمية، هنا، الإشارة إلى أن كثيرين من هؤلاء القادة لا يخفون ولاءهم للإمارات وللمجلس الانتقالي.
ويبدو أن ما حفز على معاودة توغل الإمارات في حضرموت (الوادي والصحراء)؛ نشر السعودية قوات كبيرة، وبكامل عتادها العسكري، في منطقتي العريش وصلاح الدين، شرقي وغربي عدن على التوالي، في أثناء المواجهات المسلحة التي نشبت بين قوات المجلس الانتقالي وقوات السلطة الشرعية، في أغسطس/ آب الماضي؛ حيث مثّل انتشار القوات السعودية منافسة صارخة للإمارات، وتجلّى كما لو أنه توجه لتأسيس قاعدتين عسكريتين.
ما يلحظ الآن أن هذه الأطراف تعمل على إعادة تموقعها، على طول مناطق الساحل الجنوبي من المهرة شرقا إلى جزيرة مَيُّون (بريم) في مضيق باب المندب غربا، بما في ذلك جزيرة سقطرى في المحيط الهندي غير أن الصورة الأبرز للتنافس على أرض الواقع تبدو “إماراتية – سعودية”؛ إذ لم يعد للسلطة الشرعية من وجود خالص الولاء في هذه المناطق، عدا محافظة شبوة، أما المجلس الانتقالي الجنوبي، فيدور مع الإمارات حيث تدور، ويقف حيثما تقف.
عملياً، ثمة “سّعْوَدة عسكرية” واضحة للمناطق الساحلية الجنوبية التي خسرتها قوات النخبة في محافظة شبوة، وقوات الحزام الأمني في محافظة أبين، في أثناء معاركها أخيرا مع القوات الحكومية، وتمثل هذه المناطق جزءاً من شريط النفوذ الساحلي المتنافس عليه بين السعودية والإمارات.
فقد نشرت السعودية قوات مؤللة في مناطق ساحلية منه، وعزّزتها بقطع بحرية تقوم بمهمات الدورية؛ بذريعة مكافحة التهريب والإرهاب؛ ذلك أن هذه المناطق مثلت ملاذات آمنة لجماعة أنصار الشريعة التابعة لتنظيم القاعدة، خلال السنوات العشر الماضية.
في الاتجاه نفسه، حاول المجلس الانتقالي زجّ لواء “با رشيد”، المحسوب على قوات النخبة الحضرمية، والمرابط في منطقة الحمراء غربي مدينة (ميناء) المكلا، في معاركه مع القوات الحكومية، في أثناء أحداث أغسطس وبعدها، إلا أن محافظ حضرموت، قائد المنطقة العسكرية الثانية، فرج البحسني، حال دون وقوع ذلك، ثم أطاح قيادة اللواء، أوائل سبتمبر/ أيلول الجاري.
وأمام هذه التفاعلات المتناقضة، لا يأخذ السيناريو الأبرز الذي سيضع هذه الأطراف على خريطته، في الحسبان، التصعيد الداخلي الذي تقوم به هذه الأطراف فحسب، بل وحالة الشرود السياسي والعسكري التي تمر بها السعودية؛ بفعل الهجمات العنيفة التي تعرّضت لها منشآت أرامكو النفطية، في منطقتي بقيق وخريص، شرقي البلاد، منتصف سبتمبر/ أيلول الحالي، وما قد تتعرّض له السعودية من هجماتٍ أخرى، وربما الإمارات معها، في إطار توسع رقعة الحرب في الخليج، بما يجعلهما منشغلتين عمّا يجري في اليمن، وعندها تضيق خريطة الحرب اليمنية، أطرافا ورقعة، وربما قد نشهد أطرافاً خارجية جديدة، تطيل من عمر الفوضى، في سياق تنافس جديد.