تُخطئ السعودية لو أعتقدت إنها و’إسرائيل’ سِيَّان
المبادرة التي يسعى الرئيس الايراني حسن روحاني اطلاقها من على منبر الامم المتحدة ، من اجل ارساء السلام والامن والاستقرار في منطقة الخليج الفارسي، قد تكون الاخيرة، قبل ان تنزلق المنطقة الى ما لا يحمد عقباه.
من المؤشرات القوية التي تؤكد على ان المنطقة تُدفع دفعا نحو الحرب، هي التحركات المتسارعة التي تقوم بها اميركا لزج، من تعتبرهم حلفاءها، في اتون حرب لا ناقة لهم فيها ولاجمل ، تصب من الفها الى يائها في مصلحة “اسرائيل” ومصلحة اصحاب مصانع السلاح في اميركا.
من الواضح ان ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب، تعمل وبإصرار، على زج السعودية في حرب مباشرة مع ايران، وينكشف هذا الاصرار وبشكل ملفت من ردة فعل هذه الادارة على الهجمات التي شنتها القوات المسلحة اليمنية على منشأتي بقيق وخريص النفطيتين شرق السعودية، حيث بادرت الى اتهام ايران فورا، ودعت السعودية الى الرد والدفاع عن نفسها، دون ان تنتظر اي حماية من أميركا.
ليس التحريض الاميركي الفاضح، هو فقط من قد يدفع المنطقة الى المجهول، فطبيعة النظام السعودي ، وخاصة شخصية ولي عهدها الغر محمد بن سلمان، هي ايضا ، عوامل في غاية الخطورة، قد تزيد من نسبة وقوع الكارثة ، اذا لم يعمل عقلاء ال سعود الى التقليل من تاثير هذه العوامل على مجمل ما حدث وسيحدث في المنطقة.
هناك خطأ استراتيجي كبير ترتكبه السعودية، عندما تعتقد ان اميركا تنظر اليها كما تنظر الى “اسرائيل” ، وان النظام السعودي يعتبر خطا احمر بالنسبة لاميركا ، كما هي “اسرائيل”، وهذا الخطأ الفادح هو الذي جعل القيادة السعودية ترد وباستعلاء اليد الايرانية الممدوة دوما للسلام ، وترفض وباستعلاء كل المبادرات التي اطلقتها ايران لتشكيل منظومة امنية تقوم على تعاون وثيق بين دول الاقليم.
هذه النظرة السعودية الى مكانتها في الاستراتيجية الاميركية، كانت تبدو صحيحة الى حد ما ، لما قبل 30 عاما ، عندما كانت اميركا في حاجة ماسة الى النفط السعودي ، والى حضورها الدائم في المياه الدافئة، في اطار صراعها مع الاتحاد السوفيتي السابق، اما اليوم فان حاجة اميركا الى النفط السعودي هبط الى اقل من 50%، بالاضافة الى انهيار الاتحاد السوفيتي، لذلك فقدت السعودية ما كانت تعتبره الضامن لأمنها، وهو النفط والاهمية الاستراتيجية.
اما العامل السعودي الثاني، الذي يتم استغلاله وبشكل بشع من قبل الادارة الاميركية للتضحية بالسعودية خدمة للمصلحة “الاسرائيلية” ، هو شخصية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الشاب المتعطش للسلطة ، والحالم بحكم السعودية لخمسين عاما القادمة، والمعتقد اعتقادا جازما بقدرة اميركا على تحقيق احلامه، في حال نفذ كل رغباتها دون ادنى اعتراض، ويبدو ان التسليم المطلق امام السيد الاميركي، بان وبشكل مذل في الصمت المطبق للقيادة السعودية امام الاهانات غير المألوفة والمتكررة التي يوجهها ترامب دون مبرر للمك سلمان وولي عهده.
على القيادة السعودية ، وخاصة العقلاء في هذه القيادة، ان يتوقفوا قليلا ، امام المبادرة التي سيطرحها الرئيس روحاني، والتي ستؤكد حتما على حقيقة ان امن المنطقة لا يحفظه الا اهل المنطقة، وان تواجد القوات الاجنبية فيها لن يكون في مصلحتها بل هو عامل عدم استقرار، والا يبرروها، كما برروا جميع المبادرات الايرانية السابقة، بانها تاتي من موقع ضعف، او ان ايران تريد ان تتخلص من الضغوط، او انها استعراضية، فلا الظروف ولا الوقت يحتمل هذه السياسة وهذه التبريرات، فتساقط عشر طائرات يمنية على ارامكو اوقف اكثر من نصف انتاج السعودية من النفط، ترى كيف سيكون الحال في السعودية لو دفعت بها اميركا للحرب مع ايران، في اطار دعوات مضللة مثل تشكيل تحالف دولي لحماية امن الملاحة الدولية، او تحريضها على التعرض لايران كرد على الهجمات التي نفذها اليمنيون ضد المنشات النفطية السعودية ،دفاعا عن النفس.
رغم اننا لا نعول كثيرا على “حكمة” النظام السعودي، في الخروج من شرنقة دوره الوظيفي القديم الجديد، وان يتعامل مع تطورات المنطقة من مصلحة سعودية بحتة، فها هو يرد وبغرور على مبادرة السلام التي اطلقها اليمنيون لحقن الدماء، بقصف مسجد في محافظة عمران اليمنية ، وقتل خمسة مصلين ، ومازال البحث جاريا عن طفلين تحت انقاض المسجد، الا اننا رغم ذلك نتمنى وجود عقلاء بين ال سعود، قبل ان يأتي اليمنيون على ما تبقى من نفط سعودي، وعندها لا تنفع السعودية عرض مسرحية “المسيرات القادمة من الشمال”.