ثورةٌ تنطقُ انتصارات
محمد علي الحوثي*
مع أنَّها لا تزالُ وليدةً مقارنةً بغيرها، ومرّت بالكثير من الإرهاصات، حقّقت ثورةُ الـ21 من سبتمبر، على مدى السنوات الـخمس الماضية من عُمُرِها، الكثيرَ من الإنجازاتِ على الصعيدَين السياسي والعسكري، تاركةً حَيْرةً في أوساطِ مُنَظِّري السياسة وخُبَراء الجيوش.
منذُ انطلاقِ شُعاعِها في عام 2014، انتهجت قيادةُ الثورةِ مَسَاراً سياسياً؛ لتوحيدِ كافَّةِ القوى اليمنية. كان ذلك جلياً في اللقاءات المكثّـفة مع قائد الثورة، وقياداتِ أحزاب سياسية وشخصيات اجتماعية، بعضُها كان عَالقاً في براثنِ الماضي، والآخرُ تجثمُ المصالحُ الذاتيةُ على صدره، لكن رغم ذلك نجحت دبلوماسيةُ قيادة الثورة في التوصلِ إلى اتّفاق السلم والشراكة، مع القوى كافة بدون استثناء. وكان الهدف منه تأسيس دولة يمنية بعيدة عن الوصاية، لكن هذه الخطوة التحرّرية لم تُرْضِ الأوصياءَ القُدَامى في دوائر صُنع القرار الدولي بواشنطن، فأوعزوا لأتباعهم في المنطقة بشنِّ الحرب، فقط بعد 6 أشهر على مخاض الثورة.
كان الهدف إجهاض الثورة بكافة السبل، عسكرياً حشدوا كُـلَّ طاقاتهم وخبراتهم وتقنياتهم المتقدمة، حتى وصل الغرورُ بهم لتحديد أسبوعٍ واحد لإسقاط صنعاء.
وسياسياً فرضوا حصاراً مطبقاً. اليوم وبعد 5 سنوات من الحرب والحصار والصمود الأسطوري للشعب اليمني وقواه الوطنية، ربما بات الكثيرون ممّن عايشوا هولَ الأحداث يعرفون كيف تأرجحت القوةُ من كفّة العدوان إلى كفة اليمن، والعواصف التي حاولت كسرَ الإرادة اليمنية الصرفة.
كان ذلك بفعلِ الثورة التي انتهجت مساراً سياسياً نجحت من خلاله في تحصين الجبهة الداخلية، سواء باحتواء القوى الوطنية، التي بقيت في الداخل، أَو حتى تلك التي بقيت لغرض تنفيذِ أجندة معينة، وكان من بين تلك القوى الرئيس السابق، رغم أنه قاد ستَّ حروب ضد قيادة الثورة.
هذه السياسة هي من صنعت الوَحدةَ الشعبيّة والتجانُسَ في المصير المشترك، ودفعت مئاتِ الآلاف من الشباب للالتحاق بجبهات القتال، لا لهدفٍ سوى الذودِ عن تراب الوطن.
كانت هذه السواعدُ صمّامَ أمان الثورة، وقد أحبطت الكثير من المؤامرات، خلال الفترة الماضية. هذا على الصعيد المحلي، أما دولياً فإنَّ الثورةَ غيّرت الكثيرَ من المجريات على مستوى العالم. أبرزُها التطورُ المتنامي للقدرات الجوية، سواء على صعيد الصواريخ البالستية، أَو الطيران المسيّر، الذي لم تكنِ اليمنُ تعرفُه قبل 2014.
هذا التطورُ فرَضَ معادلةً عسكرية أربكت حساباتِ الأمريكيين أنفسهم، وباعتراف رئيسِ هيئة الأركان المشتركة، الذي قال إنه ما من نظامٍ دفاعي قادرٍ على التصدي لهذا النوع الجديد من السلاح. شكّل هذا السلاحُ إضافةً نوعية لقدرات المقاتل اليمني، الذي صقلت الثورةُ قدراتِه وأصبح صنديداً تتحطمُ أحدثُ الآليات على إصرارِ رصاصة سلاحه البسيط “كلاشنكوف”، ولولا هذا السلاحُ الذي وصل إلى مطار أبوظبي لَمَا أعلنت الإماراتُ سَحْبَ قواتها من اليمن.
كما أن قدراتِه الفائقةَ بالوصول إلى عُمق الأراضي السعودية كانت الكفيلَ الوحيدَ بإثناء الرياض عن أهدافها في جرف الهُوِيَّة اليمنية، وقوتَه كانت الدافعَ لإعلان الرئيس الأمريكي رغبتَه في الحوار مع صنعاءَ.
يدركُ ترامب كيف أثّرت هذه الثورةُ في مشاريعه للهيمنة على المنطقة، وتمرير صفقة القرن. رغم الحرب والحصار على صنعاءَ لم يفوّتْ قادتُها يوماً القضيةَ الفلسطينية، وقد ناصروها بكل السبل، وكان صوتُهم فاعلاً في إجهاض صفقة القرن، تلك التي كانت دولُ الخليج تحضِّرُ لإبرامها، وباسم اليمن، بجمعِ وزير خارجية هادي مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني.
كانت هذه الثورةُ عَمُوداً مهمّاً في محور المقاومة، الذي أفشل مخطّطاتٍ أمريكية – إسرائيلية للسيطرة على سوريا، وإضعاف لبنان، وحتى في حصارِه على إيران. هذه العواملُ جميعُها شكّلت صورةً جديدةً عن الثورة، ورسمت مساراً قوياً لليمن سيكون له صدىً أكبرُ مستقبلاً، ليس فقط في انتزاع السيادة على كامل الأراضي اليمنية، بل حتى على مستوى حضوره دولياً وإقليمياً، فالقوةُ وما وازاها من مسار سياسي كانت عاملَ اعترافٍ دولي بدأ يتنامى مؤخراً، ليس فقط بدعوات وقف الحرب والدخول في حَلٍّ سياسي، بل أَيْـضاً على صعيد طبيعة الحُلول المرتقبة، والتي من شأنها وضعُ صنعاءَ كطرفٍ على طاولة مفاوضات إقليمية ودولية، بدأت ملامحُها تتشكّلُ بالترحيب الدولي بمبادرة صنعاءَ الأخيرةِ للسلام، والتي تضمّنت وقفَ العدوان والحصار مقابل وقفِ الهجمات الجوية على السعودية، وقبلها امتثال السعودية وتحالفها لمبادرة قائدِ الثورة لإعادة الانتشار في الحديدة، والكثير من الشواهد ماثلةٌ للعيان، في إطار فرض مبادرات مصدرُها قوةُ الثورة المؤمنة بيمنٍ خالصٍ لأبنائه، وبمنطقةٍ خاليةٍ من الوِصايةِ والهيمنةِ.