صراع الحلفاء في اليمن أهداف خفية لعدو تاريخي واحد
منذ اللحظة الأولى لإعلان الحرب على اليمن، كانت واضحة نوايا الدول التي تزعمت هذا العدوان تجاه البلد الواحد وأبناء هذا الوطن الحالمين بالاستقلال والرافضين لكل أشكال الوصاية.. نوايا نبعت من صميم العداء التاريخي متخذة من أكذوبة الشرعية وسيلة لتحقيق ما عجزت تلك الدول عن تحقيقه خلال عقود كثيرة من الزمن، فأطلقت العنان لطائراتها لتسرح وتمرح في الأجواء اليمنية ولتلقي حممها النارية على أي شيء تقابله، فيما بدأت أطماع كل دولة تتسع بشكل خاص حتى وصل الحال بها إلى التصادم فيما بينها: أيهم ينال النصيب الأكبر من الكعكة؟!
في العام 2015م أعلنت دول الخليج تحالفاً عسكرياً بقيادة السعودية للعدوان على اليمن، واستطاعت المملكة بما تملك من علاقات دولية وثروة هائلة حشد 12 دولة عربية وإسلامية إلى جانب القيادة العليا للعدوان ممثلة بـ “المملكة المتحدة (بريطانيا) والولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني”، وأجمع الحلفاء أمرهم على أن يضربوا اليمن ضربة قذيفة واحدة فتتوزع شظايا الدولة كغنيمة بين أعضاء التحالف، لكن ما وجدوه في اليمن بعد انطلاق العدوان جعل الكثير من تلك الدول تغير قناعاتها بأن أهدافهم صعبة المنال خاصة أن آلاف الصواريخ الذكية والمحرمة دولياً والحصار المطبق لم يحدث تأثيراً في قوة الردع المضاد ،فاضطرت تلك الدول إلى الانسحاب من الحلف العدواني والاعتذار لأبناء اليمن.
تفكك واختلاف
وبعد مرور عامين على الحرب، أي في العام 2017م، تفككت دول العدوان حتى أصبح تحالفها يعرف بالتحالف السعودي الإماراتي ومن ورائه أمريكا وبريطانيا، وبدأت الصورة تتضح أكثر حينما توسعت دائرة الخلاف السعودي الإماراتي على نطاق السيطرة والنفوذ في المحافظات الواقعة تحت الاحتلال جنوبي اليمن، خاصة على مناطق الثروات والموانئ كحضرموت وعدن والمهرة وشبوة ولحج.
وعملت الإمارات على إنشاء ودعم ما عرفت بـ “المقاومة الجنوبية” (مليشيات متطرفة ترفع علم الانفصال وتطالب به) وقدمت لها الدعم الكافي من السلاح والمال، في الوقت الذي تمسكت فيه السعودية بعناصر حزب الإصلاح في مارب وسيئون وبعض القوات المرتزقة التابعة للمستقيل هادي، لكن الإمارات لم تكتف بذلك، بل أنشأت مجاميع مسلحة أخرى تحت مسميات عدة، كـ “الحزام الأمني، النخبة الشبوانية والحضرمية والعدنية، العمالقة وغيرها”، ساعدها ذلك في تقويض النفوذ السعودي في بعض المحافظات؛ ليكون لها النصيب الوافر من الثروات، واستخدمت خلافاتها مع القيادات التابعة للسعودية من عناصر الإصلاح وحكومة هادي في ذلك مطالبة بإجراء تغييرات في الحكومة المرتزقة وقيادة ما تسميها بـ “الشرعية”، بحيث تزيح الإصلاح وقياداته، الذين تصنفهم كإرهابيين، ليحل بديلاً عنهم عناصر من حزب المؤتمر المنشق والمتواجد في مصر والسعودية والإمارات.
ردة فعل صادمة
تلك الضغوط التي مارستها الإمارات من منطلق سيطرتها على المحافظات المحتلة قابلتها السعودية بقرارات صادمة؛ إذ أجبرت هادي (الذي يرضخ تحت الإقامة الجبرية) على اتخاذ قرارات بعزل القيادات الموالية للإمارات من مناصبهم في حكومة الفنادق وتمثل ذلك بالإطاحة بكل من الوزير هاني بن بريك، ومحافظ عدن عيدروس الزبيدي في الـ 27 من أبريل 2017م، فيما دعمت الإمارات الزبيدي وصاحبه بعد ذلك لإنشاء ما بات يعرف بـ “المجلس الانتقالي الجنوبي” في الـ 12 من مايو من العام عينه، ليكون المجلس ورقة ضغط يستخدمها ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد في صراعه مع ولي عهد المملكة محمد بن سلمان، وباتت المليشيات التابعة للإمارات تدين بالولاء للمجلس الذي أعلن منذ لحظته الأولى تبنيه لما أسماه “استعادة دولة الجنوب العربي”، وهو اسم جديد ابتكرته الإمارات غير الاسم القديم للمحافظات الجنوبية قبل إعلان الوحدة عام 1990م.
اتساع الأطماع
كان غرض الإمارات استخدام المجلس الانتقالي التابع لها لكسب بعض المواقف أمام السعودية، لكن تماهي المليشيات المرتزقة مع أطماع الإمارات جعلها تمد بصرها إلى ما وراء ذلك وبات الانفصال هدفاً رأت أنها تستطيع من خلاله تحقيق مكاسب خيالية خاصة إذا أتيح للمحافظات الجنوبية حق تقرير المصير ووافق المجلس السياسي الأعلى في صنعاء على الانفصال، حيث يمكن لها إقامة إمارة جديدة تحولها من ساحل عمان إلى دولة تملك تأثيراً عالمياً لتحكمها بمسار التجارة العالمي عبر باب المندب، لكنها لم تدرك أن السياسي الأعلى يتحدث عن دولة يمنية ذات سيادة ولا ينظر إلى اليمن كشطرين ولديه استعداد لخوض حرباً لعشرات السنوات مع أي قوة تفكر بتقسيم أو احتلال أو انتهاك سيادة اليمن الواحد.
صراع وتصعيد
وفيما اتجهت السعودية إلى تجنيد الأطفال من دارفور واليمن خاصة تعز وبعض المحافظات الجنوبية- كما كشفت قناة “الجزيرة” في تحقيق استقصائي- لحماية حدودها من تقدم الجيش واللجان الذين باتوا على مشارف مدينة نجران، نحت الإمارات بعد تجنيدها 12 ألف مرتزق جنوبياً واستقطابها 30 ألفاً من البلاك ووتر والجنجويد إلى ممارسة العنف والقمع والإهانة بحق أبناء الأرض وعملت على إنشاء السجون السرية لتكون مصير كل الرافضين لتواجدها، وزجت بمئات الشباب والناشطين والصحفيين المعارضين لممارساتها ولحملات التجنيد الإجباري التي نفذتها من أجل مواجهة الجيش واللجان.
وظلت السعودية متمسكة بهادي والإصلاح ليكون لها غطاءً قبيحاً لارتكاب جرائم الحرب، ودفعت بمجاميع مسلحة للمرتزقة من مارب إلى حضرموت؛ لتعزيز تواجدها، إلى جانب سعيها الحثيث لنيل نصيب من كعكة الجنوب الراضخ للاحتلال، لكن الإمارات اتخذت خطوات تصعيدية هذه المرة ورفضت في العام 2017م هبوط طائرة الفار هادي في مطار عدن الذي يسيطر عليه مرتزقتها، وذلك في خطوة فاشلة أرادت السعودية أن توصل من خلالها رسالة مفادها “نحن من يمسك بزمام الأمور”، كما عملت الإمارات على إهانة وزراء ينتمون لحكومة الفنادق، كانوا ينوون المرور في الطريق التي تسيطر عليها مليشيات النخبة الشبوانية بين حين وآخر في العامين 2017 – 2018م، ومنهم صالح الجبواني الذي خرج لغرض وضع حجر أساس لميناء قناء في شبوة، كما منعت عبد الله لملس من المرور إلى المحافظة نفسها، ووزير نفط هادي ومحافظ الجوف المعين من قبله، وبادرت بالسيطرة على سقطرى.
المقايضة بسقطرى
بعد ذلك أرادت الإمارات مقايضة الفار هادي بالسماح لحكومته بالتواجد في عدن مقابل عقد استثماري يتيح لها الحق في امتلاك سقطرى لنحو 90 عاماً، وبعد موافقته وإصدار قراره بذلك سمحت الإمارات بتواجد حكومة هادي لبضعة أشهر قبل أن تصعد ضدّهم أثناء تحرك السعودية للسيطرة على المهرة فاندلعت الاشتباكات في عدن وحاصر مرتزقة الإمارات مرتزقة السعودية في قصر المعاشيق وبعض المعسكرات، واستمرت السعودية في التحرك داخل المهرة الحدودية مع سلطنة عمان من أجل الوصول إلى البحر وإنشار ميناء نفطي يساعدها على تجاوز التحكم الإيراني عبر مضيق هرمز.
ولعل الغضب الإماراتي – شريك التحالف – نابع من رغبة ابن زايد في السيطرة على المحافظات الجنوبية دون غيرها، فيما السعودية أيضا ترغب في السيطرة على اليمن كلها وترى أن الإمارات عامل مساعد في الوصول إلى الهدف المنشود وما يمكن أن يشكله موقع اليمن الاستراتيجي من قوة إضافية، حيث أن إطلالة اليمن على البحر الأحمر من جهة، والمحيط الهندي من جهة أخرى، سيحقق للسعودية أو الإمارات امتيازات اقتصادية كبرى، وهو ما سيزيد من فرص الهيمنة على المنطقة.
اقتتال مرتزقة الحلفاء على التركة
توسعت دائرة الخلافات مرة أخرى في العام 2018م، لكن هذه المرة باتت السعودية تخشى من نكران الفار هادي لها وفراره – كعادته – إلى الإمارات المسيطرة على الأرض، إذ كشفت وكالة “أسوشيتد برس” الامريكية أن “السعودية منعت هادي وابنيه ووزراء وعسكريين يمنيين من العودة إلى عدن، مؤكدة أنهم رهن الإقامة الجبرية في المملكة”، وبدأت تخطط لإيجاد بديل لهادي الذي باتت صحته متقلبة وغير مطمئنة، لكنها لا تريد حزب الإصلاح المعروف بولائه لقطر وتركيا، بل تبحث عن مرتزقة آخرين يدينون بالولاء لمن يدفع أكثر فاختارت بعض عناصر المؤتمر ومنهم سلطان البركاني.
في المقابل، فتحت الإمارات أحضانها لمليشيات طارق عفاش وأنشأت له معسكرات في الجنوب، ودعمت ميلشياته والسلفيين والعمالقة في الساحل الغربي وتعز لتنتهي المعادلة باندلاع اشتباكات بين الإصلاح والسلفيين في مدينة تعز، لكن الإمارات حين أدركت فشل معركة الساحل أمام الجيش واللجان قررت ترك هذه الجبهة رهن التهدئة لتجنيبها مزيدا من الخسائر، خاصة أن لها تجارب عدة مع الجيش واللجان لم تحقق خلالها أي نتائج، إلى جانب أن الصواريخ اليمنية والطائرات المسيَّرة باتت تهدد مدنها ومنشآتها الاقتصادية، ومن جانب آخر رأت تأجيل معركة تعز إلى حين الانتهاء من قطع يد المملكة في شبوة وحضرموت والمهرة، فقررت دعم مليشيات النخبة والحزام الأمني في الوقت الذي دفعت فيه السعودية بتعزيزات عسكرية إلى هذه المحافظات وهو ما أدى إلى اشتباكات عنيفة في تلك المحافظات كان الخاسر الأكبر فيها هم المدنيون.
فصل جديد من التخلي
في تعز خرج عناصر الإصلاح في مظاهرات حاملين صور قادة الإمارات.. خطوة لاقت استهجاناً واسعاً من قبل اليمنيين ومنهم نشطاء محسوبون على الحزب نفسه، إذ علَّقت الناشطة الحاصلة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان حينها قائلة: “ليس ذلك حنكة سياسية كما يروج بعض المغفلين، بل غباء وتفاهة سياسية وقلة عقل وسوء تدبير”، متسائلة “هل سترضى عنهم السعودية والامارات؟ هل ستخفف عنهم شيئا؟!”، مجيبة “قطعاً “لا”، العكس هو الذي سيحدث!”.
بعد ذلك، اندلعت اشتباكات جديدة في تعز تخلت خلالها الإمارات عن السلفيين، ليس دعما للإخوان، بل لأن معركتها البعيدة عن الإعلام في المحافظات الجنوبية أهم من تعز التي يحيط بها الجيش واللجان من عدة محاور وقد يستردونها من الأطراف التابعة للتحالف في أي لحظة، كما أنها تنظر إلى الطرفين المتصارعين في المدينة باعتبارهما مرتزقة لا قيمة لهما، وكشفت الصحافة الأمريكية معركة كبيرة بين السعودية والإمارات في المهرة موازية لتلك التي في تعز، استمرت إلى ما بعد ذلك بأشهر.
البحث عن بديل
وفي العام 2019م، رضخت السعودية لضغوط الإمارات المطالبة بسحب مليشيات علي محسن الأحمر التابع للسعودية من المهرة وحضرموت، فقررت الأولى التخلي عن هادي وإنشاء برلمان لشرعية الفنادق برئاسة البركاني، حينها كانت الإمارات قد وصلت إلى ذروة الخلاف مع المملكة وآمنت إيماناً مطلقاً بتفعيل المجلس الانتقالي كسلطة بعد أن استخدمته في البداية كورقة واستخدمت عناصره في التخلص من القيادات الموالية للسعودية عبر سلسلة عملاقة من الاغتيالات التي نفذتها قيادات المجلس، وعندما قررت المملكة عقد جلسة للمجلس في عدن منعت الإمارات ذلك، ورد المجلس الانتقالي قائلًا “ليس في أرضنا موطئ قدم واحدة للمرتزقة” في إشارة إلى مرتزقة السعودية.
عصفوران بحجر
هذه الخطوة أغضبت السعودية التي قررت اختيار سيئون لعقد جلسة واحدة لاجتماع النواب المرتزقة، لكن الخلافات التي دارت في الاجتماع قبل تنصيب البركاني بين المؤتمر والإصلاح جعلت المملكة تضع في حسبانها أن الإصلاح قد يتصرف بطريقة استفزازية خاصة أنه على خلاف تاريخي مع المؤتمر، كما أن ميلشياته تسيطر على سيئون، فقررت ضرب عصفورين بحجر واحدة، من خلال إدخال قواتها إلى المدينة تحت مبرر حماية المدينة وتأمينها من تنظيم القاعدة الذي نشط مع سيطرة دول العدوان على المحافظات الجنوبية ويستمر حتى اليوم، فيما السبب الحقيقي لدخول القوات هو تعزيز التواجد السعودي في الجنوب ومحاولة ضرب الإمارات بيد من حديد، وهذا ما حصل عقب شهر أبريل من العام الجاري، حيث دفعت السعودية بتلك القوات إلى أبين وشبوة والمهرة وأبقت منها جزءاً في حضرموت، لكن جزءً من الخطة لم ينجح.
انفجار الكارثة
احتقان في المشهد الجنوبي لم يستمر كثيراً، حيث انفجر الوضع مؤخراً ليطيح بالتواجد السعودي وأياديها في تلك المحافظات (حكومة المرتزقة ومعسكراتها المعروفة بالحرس الرئاسي)، وانتهى ببسط الإمارات نفوذها في كل المناطق التي سيطرت عليها السعودية وإعلان المجلس الانتقالي التابع للإمارات استعادة دولته، ونفذت ميلشياته حملة نهب واسعة لمنازل المسؤولين في حكومة الفار هادي، سبقتها حملة تهجير أبناء المحافظات الشمالية من المحافظات الجنوبية، وأعقبها اجتماع سعودي إماراتي في الرياض، خرج ببيان يؤكد أن “مشروع الدولتين في اليمن واحد ولم يتغير”.
ولعل التشطير هو مشروعهم الذي ظلوا يسعون إليه منذ 1990م وبعد 2011م وحتى اللحظة، وهو مشروع ليس له من هدف سوى خدمة العدو التاريخي المتمثل في الكيان الصهيوني الراغب في خنق شمال اليمن المعروف بقوة وشراسة رجاله في القتال وعداوتهم للصهيونية، وهذا ما تؤكده صرخة الكيان في تسعينيات القرن الماضي عندما قال رئيس وزرائه آنذاك “إن ما أعاق وصول إسرائيل إلى البحر المفتوح هو قيام المارد اليمني” في إشارة إلى اليمن الواحد، ولعل هذا هو سر العدوان على اليمنيين.