مستقبلُ اليمن في ضوء خطاب القائد
إبراهيم السراجي
كان خطابُ قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي، يوم أمس الأول، محورياً ومفصلياً وعنواناً للمرحلة القادمة في اليمن وعلاقة مكوناته ببعضها وكذا علاقته بمحيطه الإقليمي والدولي، بالشكل الذي لا يمكنُ لعامل الوقت أن يتجاوزَ مضامينَ الخطاب الذي يمكنُ وصفُه بالتاريخي.
وفيما ركّز الخطابُ على ثلاث نقاط رئيسية فإنني في هذه السطور أريد أن أتطرَّقَ لبعضِ ما ورد في تلك النقاط، على رأسها الرؤية التي قدمها قائد الثورة لما يجب أن يكون عليه اليمن ما بعد العدوان وكذلك ما بعد الحل السياسي الداخلي.
لم يغلق قائد الثورة الباب أمام الحل السياسي الشامل في اليمن بل فتح الباب على مصراعيه للشراكة مع الأطراف ومن وصفهم بالمخدوعين الذين انخرطوا في صفوف العدوان؛ باعتبار أن هذه الشراكة تركيبة اليمن المتنوعة سياسياً واجتماعياً بالشكل الذي يوجبُ معها تجاوُزُ تورط تلك الأطراف بعمل عدواني خارجي ضد بلدهم.
بعد قرابة الخمسة أعوام من الصمود الأسطوري اليمني يمكن القول إن قائد الثورة دعا ضمنياً المخدوعين في صفوف العدوان للاستفادة من القوة التي فرضتها قوات الجيش واللجان الشعبيّة والتي تُحسَبُ لليمن، بالدخول في حوار يمني-يمني من أجل يمنٍ قائم على استقلال القرار السياسي، وهي دعوةٌ أكثرُ كرماً من سابقاتها فهي تمنحُ الأطرافَ الموالية للعدوان حَــقَّ الاستفادة من القوة اليمنية التي عملوا مع العدوان على إضعافها.
بالمقابل فإن خطاب قائد الثورة يؤكّــد أن الشعب اليمني لن يقبل بحل سياسي قائم على ضمان مصالح الدول الخارجية ولن يقبل الدخول في اتّفاق سلام على النحو الذي جرى في الطائف وأنهى الحربَ اللبنانية الأهلية والذي أدّى في نهاية المطاف إلى تشكيل نظام سياسي طائفي تشكّل من أطراف تمثل مصالحَ الخارج وليس الشعب اللبناني؛ ولذلك لن يقبل اليمنُ في المستقبل أن ينتظر كما لبنان حتى تتفق الأطراف الخارجية ليصبح لديه رئيسٌ ولتصبح لديه حكومة وموازنة… إلخ.
إنَّ خمسةَ أعوام من الصمود والتضحيات تعزّز حَــقّ اليمن في الاستقلال والسيادة الكاملة وعلى الأطراف التي ما تزالُ تعلق آمالها على العدوان أن تدرك خطر الاستمرار فيما هي عليه بعدما انكشفت مُخَطّطات العدوان بشكل غير مسبوق فيما يتعلق بمساعي تقسيم البلاد وتفتيتها على ورعاية الصراعات الداخلية التي تحقّـق له الانفراد بثروات ومقدرات اليمنيين، وأن تعيدَ حساباتها بشكل جدي خصوصاً أن في صنعاء قوىً مؤمنةً بالشراكة الكاملة ولديها الشجاعة لكي تتجاوزَ الماضي بكل جراحه وأن تتشارَكَ السلطةَ مع أطراف تورطت بخيانة الوطن والشعب، وهذا ليس من أجل سواد عيون المرتزقة وإنما تضحية جديدة واستحقاق في سبيل تحقيق الاستقرار للشعب اليمني الذي يستحقُّ أن يكافَأَ بالسلام والتنمية على صبره وصموده الأسطوري.
في نقطةٍ أخرى من الخطاب، أطلق قائدُ الثورة رصاصةً قاتلةً لـ “الفوبيا” التي صنعها الأمريكيون وروّج لها أعداءُ اليمن والمتعلقة بالعلاقات مع إيران، فالعدوان الذي شن على اليمن بعدة عناوينَ، منها محاربةُ إيران أراد أن يحرم اليمن من أية علاقة له بمحيطه وأن يضعَ مسافة بين صنعاء وطهران وكأن أيةَ علاقة مع الأخيرة لا بُـدَّ أن تكونَ إثباتاً للتبعية، بينما الواقع يقول إن التبعيةَ يمكنُ أن تتحقّـقَ بعلاقات دبلوماسية أَو بدونها؛ ولذلك حدّد قائدُ الثورة ما يمكنُ وصفُه بالميزان للعلاقات اليمنية مع الخارج عنوانُه “نحن لا نتلقى الأوامر من أحد”.
وإذا كان في تدشين العلاقات الدبلوماسية مع إيران مصلحةٌ للشعب اليمني المحاصَر فإن الفوبيا التي وظّفها العدوان لن تحولَ بعد اليوم دون تحقيقِ مصلحة اليمن وفي نفس الوقت يؤكّــدُ قائد الثورة أن اليمنَ يفتحُ أبوابه لمحيطه العربي والإسلامي لإعادة العلاقات والتي يجبُ أن تقومَ على الاحترام المتبادل والأُخوّة والمصلحة المتبادلة، بالإضافَة إلى أن الأنظمةَ المحيطة باليمن هي التي أغلقت أبوابَها وفضّلت أموال النفط السعوإماراتي ونزولاً عن رغبة المحور الصهيوأمريكي؛ ولذلك لا يحق لأحدٍ أن يحاسبَ اليمنَ على خياراته الدبلوماسية.