مزاعم إنطلاق الطائرات المسيّرة من العراق ومهاجمتها للسعودية .. ماذا يدور خلف الكواليس؟
أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، بأن الطائرات المسيّرة التي قصفت المنشآت النفطية في السعودية في مايو الماضي، انطلقت من العراق وليس من اليمن، في حين تؤكد الحكومة العراقية أنها لم تعثر على أي دليل يؤكد تورّط بلادها، وأكدت الصحيفة أن مسؤولين أمريكيين تأكدوا أن الطائرات انطلقت من جنوبي العراق.
وقالت الصحيفة إن أمريكا نقلت تقييمها إلى المسؤولين العراقيين في مذكرة رسمية، حيث أثار وزير الخارجية “مايك بومبيو” القضية هاتفياً في وقت سابق من هذا الشهر مع رئيس الوزراء العراقي “عادل عبد المهدي”.
وبيّنت الصحيفة أن “بومبيو” حثّ “عبد المهدي” على اتخاذ خطوات لضمان عدم استخدام العراق كقاعدة انطلاق جديدة للهجمات، ولكن الصحيفة عادت وذكرت أن الزعماء العراقيين شككوا في التقييم الأمريكي، وطلبوا من إدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” الحصول على مزيد من الأدلة لدعم مزاعمها.
وحول هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الإخبارية بأن رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة “عادل عبد المهدي”، قال في مؤتمره الصحفي الأسبوعي الذي عقده قبل عدة أيام: “إن الأمريكيين تحدّثوا عن انطلاق الطائرة التي استهدفت الأراضي السعودية من الأراضي العراقية، لكن كل أجهزتنا الاستخبارية وكل قواتنا لم ترصد ولم يثبت لها هذا الشيء”.
من ناحية أخرى، كشفت تلك المصادر أيضاً بأن قوات الجيش واللجان الشعبية اليمنية “أنصار الله” أثبتت مراراً وتكراراً خلال الحرب مع الدولتين العدوانيتين (السعودية والإمارات) أن لديها القدرة على استهداف أهداف داخل أعماق هذه البلدان ونجحت خلال الأسابيع الأخيرة بتوجيه ضربات موجعة للسعودية، واستهداف المراكز العسكرية والمطارات الجنوبية للسعودية، الأمر الذي برهن على فشل أنظمة الدفاع المتطوّرة التي تمتلكها السعودية، والتي على ما يبدو أنها غالية السعر، حيث أجبرت هذه الضربات الموجعة القادة السعوديين على عقد اجتماعات طارئة لمجلس التعاون الخليجي، وقادة الجامعة العربية، والمؤتمر الإسلامي في مدينة مكة المكرمة، وذلك لأنها تعرف أن “أنصار الله” لم ولن ينفذوا هجمات صاروخية على المدن السعودية المقدسة.
وفي مثل هذه الظروف، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما هو هدف واشنطن من نشرها هذه المزاعم في وقتنا الحالي؟.
إشعال فتيل التوترات بين أبناء الشعب العراقي والحكومة العراقية
أكد العديد من الخبراء السياسيين بأنه لو تكّونت حكومة موحدة وآمنة وفعّالة في العراق، فإنه لن يكون هنالك أي مبرر لاستمرار وجود القوات الأمريكية داخل الأراضي العراقية، ولهذا فلقد بذل قادة البيت الأبيض الكثير من الجهود من أجل خلق الكثير من الفجوات العرقية والدينية والسياسية بين أبناء الشعب العراقي، وهذا الأمر تؤكده المزاعم الأمريكية الأخيرة التي أعربت فيها بأن الطائرات المسيرة التي ضربت أنابيب النفط السعودية قد انطلقت من العراق وليس من اليمن.
يذكر أن هذه المزاعم جاءت عقب نجاح حكومة “عبد المهدي” في خلق اتفاق بين الفصائل البرلمانية على المناصب الوزارية المتبقية.
من ناحية أخرى، لقد فرضت واشنطن خلال عهد “ترامب” ضغوطاً كثيرة على محور المقاومة في المنطقة لاستكمال عملية تطبيع العلاقات بين القادة والشيوخ العرب والكيان الصهيوني، وهنا يمكن القول بأنه من المؤكد أن دور جماعات المقاومة الشعبية في العراق، والتي تعدّ أهم أداة في نصر الشعب العراقي على تنظيم “داعش” الإرهابي، يمثل خطراً وتحدياً كبيراً للمصالح الأمريكية طويلة الأجل في العراق.
لذلك، يمكن القول هنا بأن المزاعم الأمريكية القائلة بأن الطائرات المسيّرة التي ضربت السعودية مؤخراً انطلقت من العراق وليس من اليمن، قد تخلق حالة من السخط لدى المجتمع العراقي وقوات محور المقاومة وذلك لأن جزءاً من المجتمع العراقي كان يأمل في تحسين العلاقات بين بغداد والرياض لجذب الاستثمارات الأجنبية أو على الأقل لإزالة التهديدات الأمنية التي تعصف بالعديد من المدن العراقية.
التستر علی هزيمة تحالف العدوان الكبرى في اليمن
يمكن رؤية جزء آخر من هدف أمريكا وقيامها بنشر تلك المزاعم، متمثّلاً في مجال الحرب النفسية والحرب الإعلامية لمساعدة السعوديين، وذلك لأن السعودية منذ بداية الحرب على اليمن لم تحقق أيٍّ من الأهداف التي أعلنت عنها عندما شكّلت تحالفاً إقليمياً ودولياً بدعم عسكري ولوجستي من أمريكا وبضوء أخضر من مجلس الأمن الدولي لشنّ حربٍ ظالمة برّاً وبحراً وجواً استخدمت فيها أحدث أنواع الأسلحة الغربية، وحوّلت اليمن إلى ساحة لتجريب بعض الأسلحة المحرّمة دولياً كانت حجّتها أنها تقتل من أجل إعادة “منصور هادي” وحكومته إلى صنعاء غير أن صمود الشعب اليمني والقدرة القتالية التي تحلّى بها الجيش اليمني حالت دون تحقيق أي من الأهداف التي خسرت السعودية مليارات الدولارات من أجل تحقيقها.
وفي وقتنا الحالي تبحث السعودية عن أي نصر يحفظ ماء وجهها الذي أراقته خلال الأعوام الماضية من الهزائم المتلاحقة وبعد أن خسرت معظم أوراقها السياسية والعسكرية وتكبّدت خسائر فادحة في الجانب الاقتصادي.
وهنا يؤكد العديد من الخبراء بأن ما تبثّه وسائل الإعلام الممولة من الرياض وأبو ظبي من وثائق تندرج ضمن الشائعات الوهمية التي دأبت دول التحالف على ترويجها وتعتبر دعاية سياسية لتلك الأنظمة التي تدّعي أنها تحارب إيران في اليمن وتلك الشائعات والوثائق لم تؤكد أي منها الأمم المتحدة لأنها لا يمكن أن تتعاطى مع مثل تلك الوثائق المزوّرة بشكل واضح وفاضح.
وبحسب تقارير حقوقية عالمية فقد ارتكبت طائرات التحالف جرائم حرب بحق اليمنيين حيث ألقت طائرات السعودية والإمارات قنابل تم شراؤها من أمريكا وبريطانيا على المدنيين في أكثر من حي سكني. وحول هذا السياق أكدت تقارير أممية أن ما قيمته 2 بليون دولار من الأضرار الأولية لحقت بالممتلكات والبنى التحتية العامة والإسكانية في اليمن بالإضافة لما قيمته 19.84 بليون دولار من الأضرار الأولية التي لحقت بالمناطق السكنية والحضرية في اليمن، وذلك بحلول يونيو من العام 2017 بالإضافة إلى 2.5 بليون دولار من الأضرار التي لحقت بمحطات توليد الكهرباء خلال سنوات العدوان.
يذكر أن أكثر من 62 منظمة حقوقية دفعتها جرائم السعودية في اليمن للتنديد بتلك الجرائم ورفع قضايا ضدها إلى المحاكم الدولية مثّلت تلك الأصوات الحقوقية المنددة بجرائم النظام السعودي ضغطاً كبيراً على المستوى الدولي، واستجابت لها بعض الدول الأوروبية التي أوقفت تصدير السلاح إلى السعودية والإمارات مثل ألمانيا والنرويج.
إن هذه الحقيقة هي التي دفعت صحفاً عالمية تعدّ داعمة لمشاريع النظام السعودي في المنطقة إلى الإقرار والاعتراف بهزيمة النظام السعودي وتحالفه المأجور داخل المستنقع اليمني.