الأقبية السرية للإحتلال في الجنوب… جنتهم الموعودة
“تعيش عائلات أولئك المحتجزين كابوساً لا ينتهي بعد اختفاء ذويها قسراً على أيدي القوات المدعومة إماراتياً. ويُجابه أفرادها بالصمت أو التخويف إذا طالبوا بمعرفة أماكن أحبتهم أو إذا كانوا على قيد الحياة أم لا”.
قضى بسام عيدروس مسالم (34 عاماً) أحد أبناء محافظة عدن بعد أن تم احتجازه في أحد السجون السرية للقوات الإماراتية التي تتخذ من محافظة عدن مقراً لها. بسام تم اعتقاله في يناير 2017 من قبل عناصر تتبع الحزام الأمني التابع للاحتلال الإماراتي واختفى مذاك عن الأنظار لتعلم والدته بعد ذلك أنه مسجون في أحد المقرات الأمنية التابعة للإمارات بتهمة الانتماء لجماعات تهدد أمن عدن ـ حسب قولهم.
تقول والدته إن “بسام” رفض التواجد الإماراتي في المحافظة وكان مناهضاً للعدوان على اليمن في أكثر من مناسبة الأمر الذي أدى إلى تحذيره من قبل بعض الأصدقاء بأنه سيتعرض لخطر الاعتقال في السجون الإماراتية السرية البالغ عددها حسب مصدر خاص 21 سجناً سرياً موزعة على خمس محافظات جنوبية.
المصدر أكد أيضا أن هناك المئات من المعتقلين في هذه السجون ويتلقون أصنافاً من التعذيب أدت إلى مقتل نحو 16 سجيناً. يقول أحدهم إن تحالف العدوان أتى إلى اليمن ليشكل احتلالا جديدًا لم يستطيعوا إقراره بواسطة أدواتهم. ويقول آخر إن لعنة التواجد السعودي الإماراتي في المحافظات الجنوبية سيحمل دولة الجنوب سنوات أخرى من التخلف والعبودية والارتهان للقوى الخارجية. في تحقيق استقصائي كشفنا المزيد من القصص والحقائق المخفية عن السجون السرية في جنوب الوطن، حصلنا على معلومات من مصادر وتقارير لدوريات غربية تضع الجميع في الصورة.
أخذوا زوجي ولا أعلم مصيره
تحدثت أماني علي (اسم مستعار)عن حادثة اعتقال زوجها من قبل فصائل تتبع المجلس الانتقالي في محافظة عدن وأن هذه القوات اتهمت زوجها بالاعتداء على رموز دولة الإمارات ومحاولة تحشيد الرأي العام العدني ضد التواجد الإماراتي في المحافظة. الزوجة قالت إنها منذ اعتقال زوجها ليلاً في منتصف أغسطس من العام الماضي تحاول معرفة مكان زوجها لكي تستطيع زيارته. وقالت: “تلقيت مكالمة من أحد الأشخاص أخبرني أن زوجي متواجد في أحد المعسكرات وفي سجن سري تابع للإمارات ونصحني بالذهاب إلى وزارة الداخلية للإبلاغ بخصوص اختفاء زوجي من قبل عناصر تتبع المجلس الانتقالي”.
وتسترسل في الحديث: “لم يعرني أحد الاهتمام. أحسست بالقهر وأنا أبحث عن زوجي. ذهبت لكل القيادات والشخصيات والدوائر التي يمكنها أن تدلني على مكان زوجي”. تجهش بالبكاء وتواصل: “لم أعد أعلم عنه شيئاً. مرة يخبرني البعض أنه قتل، وآخرون يخبرونني أنه أصبح مصاباً بعدة أمراض… والكثير من الروايات التي تجعلني دائما في حيرة من أمري”.
أماني وبسام والعشرات من الأسر العدنية والجنوبية تحلم اليوم أن تلتقي بأبنائها الذين فرض عليهم الاحتلال الإخفاء القسري والتواجد في سجون سرية تنتهج التعذيب بوسائل منظمة ووحشية حسب شهادة الضحايا إحداها الاعتداء الجنسي حسب تصريحات لنشطاء ومصادر وتقارير دولية نستعرضها تباعاً. تستغل الإمارات قوى كالحزام الأمني والمجلس الانتقالي لاعتقال وإخفاء كل من يناهض سياستها ويرفض تواجدها واحتلالها للأرض اليمنية.
أسوأ من جوانتنامو و”أبو غريب”
الكثير من القصص تم عرضها بواسطة موقع “MintPress” تتضمن شهادات لمعتقلين تعرضوا للاغتصاب والاعتداء الجنسي من قبل قوات إماراتية في سجون سرية إماراتية. يقول أحدهم فضّل عدم ذكر اسمه ويبلغ من العمر 55 عامًا من محافظة عدن إنه اختطف واحتجز من قبل قوات إماراتية لـ18 شهراً بتهمة رفع علم اليمن الموحد ومناهضة التواجد الإماراتي في اليمن. وقال: “بعد أن خلعوا ملابسي قاموا بربط يدي بقطب فولاذي من اليمين واليسار ثم بدؤوا بالاغتصاب”. وأضاف للموقع قائلاً: “كل ما كنت أفكر فيه هو سجن أبو غريب لكن إذا قارنت السجون السرية للاحتلال الإماراتي بسجن جوانتنامو فليس من قبيل المبالغة يمكنك القول إن هذه السجون أسوأ بكثير. لقد عصبوا عيني ونقلوني إلى مكان مجهول. فيما بعد عرفت أنها قاعدة المشار العسكرية التي يديرها أبو اليمامة، ثم أخذوني إلى السجن”.
أكثر من 21 سجناً سرياً
المصدر في وزارة الداخلية بحكومة هادي تحدث عن وجود معلومات سرية عن هذه السجون السرية في أكثر من محافظة جنوبية من قبل القوات الإماراتية والسعودية. وقال المصدر إن القوات السعودية استحدثت سجنين سريين في محافظتي المهرة وحضرموت وأن الإمارات أنشأت أكثر من 21 سجناً سرياً حسب معلومات سرية صادرة عن الخارجية البريطانية وأن غالبية هذه السجون موجودة في محافظات عدن وشبوة والضالع ولحج وأن هناك 7 سجون سرية موجودة في المناطق الشمالية لليمن في المخا والخوخة ومديريتي ميون وذباب. وقال المصدر إن هناك حالات كثيرة استطاعت الوزارة حصرها لمعتقلين اشتبه تواجدهم في هذه السجون، غير أن الوزارة بقيادتها تابعة لحكومة تتبع في الأساس هذا الاحتلال.
ويقول المصدر إنه في يوليو العام الماضي تحدث الوزير في حكومة هادي أحمد الميسري عن وجود هذه المعتقلات وطالب الإمارات بتسليم هذه السجون غير أن الإمارات أنكرت وجود هذه السجون في اليمن. وقال إن هناك تقارير طبية ومعلومات عن قتل ما يزيد عن 16 مواطناً في السجون الواقعة في الجنوب مع غياب تام لمعلومات السجون في مديريات الساحل الغربي، وأن التعذيب تنوع بين الاغتصاب وإذابة مواد بلاستيكية على الجسم واقتلاع الأظافر والإبقاء بدون ملابس لأيام والعديد من وسائل التعذيب. وتحدث المصدر عن أن هناك سجوناً سرية تقع ضمن قواعد عسكرية ومعسكرات وأن هناك سجوناً سرية في قاعدة بورقة بعدن وفي مطار الريان بمحافظة حضرموت وأن هناك أيضاً سجناً سرياً في ملهى ليلي سابق بمنطقة “بير أحمد” تحول إلى سجن سري للاحتلال الإماراتي.
صمت تحت التهديد
تقول الناشطة الحقوقية سهى السقاف إنها ومنذ الوهلة الأولى للتواجد الإماراتي في الجنوب وهي تسعى هي وفريق حقوقي مختص إلى تتبع حالات الانتهاك التي تنتهجها دويلة الإمارات في اليمن ومن ضمن هذه الانتهاكات الاحتجاز والإخفاء القسري للرافضين لهذا التواجد. تقول السقاف : “تواصلت بشكل مباشر مع أشخاص تم الإفراج عنهم من هذه السجون. لقد رفضوا تماماً مقابلتي والإفصاح عن أي معلومة تتحدث عن فترة تواجدهم في السجون الإماراتية. لقد تم تهديدهم بالاعتقال مرة أخرى أو الإضرار بذويهم في حال تم إشاعة أخبار ومعلومات حول هذه السجون”.
الجنجويد مشاركون في التعذيب
الصحفي السوداني أحمد أمين قال إن هناك معلومات تفيد بتورط جنود سودانيين في تعذيب مواطنين يمنيين في مديريتي المخا والخوخة وفي منطقة باب المندب. وقال الصحفي السوداني إن هناك تسريبات برلمانية ذكرت في تقرير سابق لمكونات المؤتمر الشعبي العام السوداني والقوى القومية في البرلمان فيديوهات مسربة من سجون سرية إماراتية توجد في معسكرات في مديرية المخا يظهر فيها جنود سودانيون تابعون لقوات حميدتي يقومون بتعذيب ناشطين ومعتقلين يمنيين. وأضاف أن هذه القوى تتبرأ من مشاركة القوات السودانية في جرائم الحرب في اليمن، والتي يأتي منها الإخفاء القسري لمواطنين وتعذيبهم. وأضاف: “توصلنا إلى حقيقة وجود سجن في قاعدة عسكرية حديثة في جزيرة ميون يصل عدد محتجزيه إلى 42 محتجزاً من أبناء محافظة تعز وأبناء الجزيرة”.
والقوات الأمريكية متورطة أيضاً
في تحقيق سابق لوكالة الأنباء الأمريكية “أسوشيتد برس” عن السجون السرية التي تديرها الإمارات في اليمن، تقول الوكالة إن هناك قوات أمريكية من وزارة الدفاع الأمريكية شاركت في الانتهاكات ضد مخفيين قسراً في هذه السجون. وقالت الوكالة: “إن القوات الأمريكية استجوبت بعض المعتقلين في اليمن لكنهم نفوا أي مشاركة أو معرفة بانتهاكات حقوق الإنسان. أكد المسؤولون الأمريكيون أن الولايات المتحدة تقدم أسئلة للإماراتيين وتتلقى نسخاً من استجوابهم”.
أستاذ القانون بجامعة نيويورك والذي عمل كمستشار خاص لوزارة الدفاع صرح عن مخاوفه الشديدة بشأن مشاركة القوات الأمريكية في هذه الانتهاكات للقانون الدولي. وقال إنه تم الحصول على معلومات استخباراتية انتزعت من مساجين في اليمن بالتعذيب. وأضاف أن هناك أطرافاً ساهمت في انتهاك اتفاقيات دولية لمناهضة التعذيب، مشيراً إلى أنه تم نقل بعض السجناء من اليمن إلى قاعدة إماراتية نائية في إريتريا. تحقيقات الوكالة الأمريكية كشفت عن سلسلة من الإساءات والانتهاكات في السجون السرية في أنحاء جنوب اليمن وقالت إن هناك المئات من المحتجزين في سجون تديرها دولة الإمارات والقوات التي أنشأتها، وأن هناك ما لا يقل عن 18 سجنا في القواعد العسكرية والموانئ الجوية والبحرية وبدرومات الفيلات الخاصة وملهى ليلي.
سجون سرية للسعودية في حضرموت والمهرة
وفي تعقيب له على تحقيق الـ”أسوشيتد برس” قال الباحث يوسف الغولي إن هناك مغالطات وحقائق لم يتم الكشف عنها ضمن تحقيق الوكالة، حيث ذكرت الوكالة ضمناً أن القوات الأمريكية لم تشارك في الانتهاكات بينما هناك تصريحات لمستشاري وزارة الدفاع بينت حصول الولايات المتحدة على معلومات استخباراتية بواسطة انتهاكات وتعذيب للمساجين. وأضاف: “حاولت الوكالة وصف السجناء بالمتشددين وعناصر القاعدة وإعطاء المسوغ القانوني للقضية غير أن غالبية المحتجزين هم ممن رفضوا وجود الاحتلال الإماراتي في عدن وممن خرجوا في وقفات تدين هذا التواجد”. وعن هذه السجون يقول الغولي إن الأحداث المحزنة في الجنوب ما هي إلا استكمال لعملية الاحتلال التي جاءت من أجلها دول العدوان، وأنه على عكس الشائع لدى العامة بأن السجون السرية تدار من قبل القوات الإماراتية ولكن الحقيقة أن هناك سجوناً سرية تتبع القوات السعودية في قواعد عسكرية في محافظتي حضرموت والمهرة.
وفي جزيرتي سقطرى وميون
تفيد معلومات بأن هناك سجناً سرياً في جزيرة سقطرى يوجد فيه ما يزيد عن 17 معتقلاً من مناهضي التواجد الإماراتي في الجزيرة وسجناً سرياً آخر في جزيرة ميون فيه 42 معتقلاً من المناهضين لتواجد الاحتلال في محافظة تعز والمدن الساحلية التابعة لها و6 سجون في “بدروم” مبنى محافظة المهرة وملحق في مطار الغيظة وما يزيد عن 13 معتقلاً في سجن مطار الريان بمحافظة حضرموت.
وأفاد المصدر بأن هذه الأرقام هي للحالات التي تم التثبت من تواجدها في السجون الإماراتية، وأن هناك حالات كثيرة تفوق باقي المحافظات توجد في سجون محافظة عدن. إلا أن المعلومات الأولية وغير الدقيقة تفيد بأن هناك ما يزيد عن 200 معتقل في سجون المحافظة تعرضوا جميعهم للتعذيب بوسائل وحشية منها الجلسات الكهربائية والكلاب واقتلاع الأظافر. و بأن العدد أولي وقابل للزيادة خصوصاً في ظل موجة المظاهرات المناهضة للاحتلال الإماراتي في عدن والمهرة وشبوة وسقطرى وباقي المحافظات.
كنتيجة حتمية علت أصوات الكثير ممن كانوا يتوهمون أن قوى الاحتلال تمثل لهم طوق الأمان، وأصبح الكثير يناشدون المجتمع الدولي إنقاذهم من الإمارات واحتلالها فإلى كونها تسرق أرضهم، فإنها تعتقل أبناءهم، كما تحرمهم من حقوقهم… وكأن النتيجة مفاجئة لهم. لن تكون حوادث اعتقال الأحرار من أبناء المحافظات المحتلة هي الأخيرة ولكن يمكنها أن تحشد باقي الأحرار ليقولوا كلمتهم في وجه الاحتلال والعدوان وليستعيدوا بذلك حريتهم.