شعارُ الصرخة ومعاداةُ السامية
زيد البعوة
التركيبةُ الديموغرافيةُ الاجتماعية البشرية من حيث الظواهر المتصلة بين الناس والعلاقات والعوامل التأريخية والاجتماعية بين البشر وما يتعلق بجوانب الحياةِ المختلفة ليست بالشكل الذي يريدُه خالقُ الأرض والإنسان، في هذا الكوكب البسيط يعيش الملياراتُ من البشر ولكن التركيبة الاجتماعية تتفاوت وتختلف من مجتمع إلى آخر ومن دولة إلى أُخْـــرَى، حالة لا توازن طبقات ومسميات وتصنيفات ابتدعها البشر أنفسهم سببتها منحدرات قائمة على الفوقية والاستعلاء والبرجوازية والرأسمالية نتج عنها حالة صراعٌ مستمرٌّ بين البشر لا يحتاجون إليه في الأساس قتل ونهب وسفك للدماء، وكان السبب ولا يزال حبُّ المال والسلطة، هذا بالنسبة لقوانين الإنسان التي اختطها لنفسه، أما من حيث الفكر والثقافة والعقيدة والدين فإن شريعةَ السماء لسكان الأرض رسمت صراطاً مستقيماً قائماً على العدل والحرية والعزة والكرامة والخير وفق معايير الهية تشملُ الجميعَ من يعمل ويلتزم بها يحظى بتأييد الله ورعايته، ومن يتجاوزها ويتنكر لها فقد أعلن الحرب على الناس وعلى رب الناس، ومن هنا كانت بداية انفجار الصراع الأزلي بين الطاغوت والاستكبار والكفر وبين الحق والعدل والإسلام.
القضيةُ ليست قضيةَ سعي ومسارَعَة لصناعة مساحة من الصراع وخلق حالة من العداوات مع البشر، ولا فاقة ومحبة لنشر ثقافة الكراهية والبغضاء بين الناس الموضوع أكبر من ذلك سكان هذه الأرض خلقهم الله عبيداً له وحده وأرسل اليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب وبيّن لهم الحق من الباطل والحلال من الحرام، فمنهم من آمن ومنهم من كفر، منهم من استجاب لله وأسلم له وجعل طاعته فوق كُـــلّ طاعة، ومنهم مَن عصى وانحرف ونصّب نفسه وكيانَه عدواً لله وكتبه ورسله والمسلمين من عباده، ومن هُنا خُلقت العداوة لتكونَ معياراً للتمييز بين العبادة القائمة على الطاعة والتسليم لله وبين العصيان والكفر والانحراف عما أمر به تعالى، فمن كان عدواً لله فهو عدوٌّ لرسله وكتبه وعبادة المؤمنين؛ لهذا نكرهُ اليهود ونعاديهم ونلعنهم؛ لأَنَّهم يستحقون ذلك؛ ولأن الله أمرنا بذلك.
الإسلامُ هو الدينُ الذي ارتضاه اللهُ وفرَضَه للعالمين منذ آدم إلى قيام الساعة، وهو دينُ الحق والعدل والخير والرفعة والسمو والكرامة، وهو التسليم المطلق والطاعة الحقيقية لله تعالى، وما عدا ذلك هي مجرد أهواء وانحرافات عن تشريعات الله، هذا هو ما أكّـــد عليه القُـــرْآن الكريم وما تحدث عنه السيد القائد عَبدالملك بدر الدين الحوثي في محاضرة رمضانية بعنوان “إن الدين عند الله الإسلام”؛ ولهذا نجد أن انحرافَ اليهود والنصارى عن الإسلام هو السببُ الرئيسي في الصراع المستمر بين الحق والباطل وأن عداوتنا لهم كمسلمين ناتجة عن توجّههم المنحرف عن أوامر الله وتوجيهاته وليست عداوة عِرقية أَو سلالية أَو عداوة قائمة على التمييز العنصري.
هناك فرقٌ بين الكراهية القائمة على التمييز العنصري والعدوات السياسية والعداء الديني العقائدي التأريخي، والصرخةُ التي يرفعُها الشعبُ اليمني اختصرت الموضوع ولخّصته بشكل موقف يعبّرُ عن العداوة التي أبرزها القُـــرْآنُ الكريم في أكثرَ من سورة، ليثبت من خلالها أزلية الصراع بين الإسلام والمسلمين وبين اليهود والنصارى والكفار والمشركين، ليست عداوة لمجرد العداوة أَو عداوة ناتجة عن عُنصرية وتمييز ومناطقية وعِرقية ولا عداوة سياسية قائمة على صراع جغرافي أَو اقتصادي أَو اجتماعي أَو غير ذلك، بل عداوة دينية عقائدية حقيقية لها أسبابٌ وجذور ومستمرة لا يحدُّها زمان ولا مكان، هذه العداوة بين الدينِ الإسلامي ومن ينتمون إليه وبين أعداء الدين الإسلامي ومن يقفون ضده تحت مسمياتٍ وعناوينَ ما أنزل الله بها من سلطان، يعني عداوة نتجت عن انحرافٍ ومواقفَ سلبيةٍ قام بها اليهود والنصارى ضد الإسلام والمسلمين على مر التأريخ.
اللهُ تعالى هو الذي ضرب على اليهود الذلةَ والمسكنة وجعلهم محطَّ غضبه وعقابه، وهو تعالى الذي مسخ اليهود وجعل منهم القردة والخنازير وليس نحن وهو الذي لعنهم عندما وصفوه بالبخل وهو الذي لعنهم على لسان داوود وعيسى بن مريم وهو الذي جعلهم يتيهون في الأرض أربعين سنةً، وهو الذي حذّرنا منهم حين قال (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ)، وهو الذي أخبرنا عن حقدهم علينا وعداوتهم لنا، وأمرنا بمواجهتهم والتصدي لهم؛ لهذا لسنا في إطار الخوض في تفاصيل القوانين والموضوعات البشرية التي تتنافى مع توجيهات الله، نحن نعادي اليهود؛ لأَنَّهم عصوا اللهَ ويحاربون المسلمين من عباده، فعداوتنا لهم استجابةٌ لله، هم يعادوننا كبشر وكمؤمنين ونحن نعاديهم كعصاه ومنحرفين.
اليهود يدركون أنهم منبوذون من قبلِ الله ومن قبل الأنبياء ومن قبل المسلمين؛ بسبب أعمالهم ومواقفهم العدائية والإجرامية؛ وبسبب عصيانهم لله وانحرافهم عن دين الإسلام؛ ولهذا يسعون دائماً تحت مسميات ومبرّرات واهية أن يمسحوا حالة العداء بعناوينَ زائفةٍ، منها ما يسمى بـ معاداة السامية والديانات السماوية وحقوق الإنسان والمساواة والحقوق وغير ذلك حتى يخلقوا لأنفسهم أجواءً مناسبةً للاستمرار في مشوارهم القائم على الشر والخبث والمكر والطغيان والإجرام والعصيان والفساد والظلم.
وشعارُ الصرخة الذي أطلقه الشهيدُ القائدُ السيد حسين بدر الدين الحوثي في عام 2002م هو موقفٌ قرآني يعبّرُ عن استجابتنا لله في عداوتنا لأعدائه من اليهود والنصارى ومن يدور في فلكهم، وشعار الصرخة من أول مفردة التي بدأت بـ الله أكبر إلى آخر مفردة التي هي النصرُ للإسلام، هو عبارة عن موقف وشعار عملي يدل على صراع تأريخي ديني بين الإسلام والمسلمين وأعداء الإسلام، حيث استطاع السيد حسين بدر الدين الحوثي أن يلخص موضوع عداوة اليهود كموقف إيْمَــاني من الأعداء التأريخيين الأساسيين لدين الله الذي هو الإسلامُ في خمس جُمَلٍ، كُلُّ جملة تحملُ بين طياتها الكثيرَ من الأمور العقائدية والسياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية بما تقتضيه المرحلةُ ويشمل جوانبَ الصراع وبما يتوافق مع توجيهات الله ومبادئ الإسلام.
لهذا شعار الصرخة هو موقفٌ يبدأ من أمر الله سبحانه (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ)ـ إلى توجيهه تعالى (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)، بعيداً عن العداوات الشخصية أَو السياسية أَو المصالح والمقاصد البشرية، وشتان بين الصرخة القُـــرْآنية وبين ما يسمى معاداة السامية أَو الديانات السماوية التي لا وجودَ لها أصلاً وأنكرها الله بقوله (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) وبقوله (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ).
فالصرخةُ موقفٌ عقائدي استجابة لأمر الله، ومعاداةُ السامية المزعومة مصطلحٌ سياسي فكري اجتماعي عنصري استنتجه اليهودُ؛ لتبرير فسادهم وعصيانهم، وهنا الفرقُ بين الكراهية القائمة على موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه وبين التدليس والتضليل والانحراف والتحريف والفساد والظلم والطغيان والكفر والعصيان.