الشعب اليمني يفرِضُ معادلاته على قوى التحالف ويجبرها على الانصياع
وضّاح عيسى*
هل حقاً سيتم وقف بيع السلاح الغربي للنظام السعودي الذي يستخدمه في قتل المدنيين في اليمن؟ سؤال يطرحه كُـــلّ متابع لما يجري في اليمن الذي يعاني من أسوأ أزمة إنسانية على مر التأريخ البشري نتجت من عدوان “التحالف” الذي يقوده نظام بني سعود المجرم ضد الشعب اليمني لأجل أهداف غربية غير قانونية ولا أَخْــلَاقية!.
الشعب اليمني يعاني من العدوان الذي دخل عامه الخامس وتبعاته التي تسببت بأسوأ أزمة إنسانية نتيجة الحصار الاقتصادي والصحي والإنساني، ناهيك عن سفك دم المدنيين أغلبهم من الأطفال والنساء والشيوخ، والتدمير الشامل لكل مقومات الحياة، والتشريد وما إلى ذلك من مآس يندى لها جبين الإنسانية، وكل ذلك على مرأى ومسمع العالم، من دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكناً لوقف العدوان والحد مما يعانيه الشعب اليمني من الويلات والمآسي.
اليمنيون وضعوا كما يقول المثل الشائع “ملحاً على جراحهم” وقرّروا عدم الرضوخ للطغاة وظلمهم وأطماعهم العدوانية القذرة، وشدوا العزم لمواجهة أعتى عدوان برباطة جأش وبما يتوفر لديهم من أسلحة وذخيرة وعقول نيّرة، وبرغم الحصار والأزمة الإنسانية التي يعانيها اليمنيون، إضافة إلى فارق التسلح العسكري والقدرات المالية مقارنة مع “تحالف العدوان بقيادة بني سعود الذي لم يترك مرتزِقاً إلا وجلبه إلى ساحة الحرب على الشعب اليمني، استطاع اليمنيون أن يقلبوا المعادلة من الدفاع عن أرضهم وشعبهم، إلى الهجوم على المواقع العسكرية لقوى العدوان ويكبدوها خسائر كبيرة في عتادها وإرهابييها، ويحقّـــقوا انتصارات صدمت العدو وأبهرت المجتمع الدولي الذي تخلى عن دوره في وقف العدوان والحد من أسوأ كارثة إنسانية لم يشهدها التأريخ البشري.
وأمام هذا المشهد، تعالت صيحات القوى المعارضة في الغرب مندّدة بممارسات أنظمتها الإجرامية وسياساتها العدوانية، ومشاركاتها الإرهابية في سفك المزيد من الدم اليمني، ورافضة لكل أنواع الدعم المقدم من قبلها لإجرام بني سعود وأدواته الإرهابية التي تستهدف الشعب اليمني بشكل مباشر وتفاصيل حياته اليومية في ارتكابات تتعارض مع القانون الدولي الإنساني، ومع كُـــلّ القواعد الأَخْــلَاقية التي سيكون لها تداعيات خطرة تهدّد السلم والأمن الدوليين.
وبعد حملات التنديد ودعوات الرفض لتسليح نظام بني سعود المجرم، أعلنت الحكومة البريطانية أنها ستعلق إصدار تصاريح جديدة لبيع أسلحة لهذا النظام السعودي، وذلك بعد ساعات من قرار محكمة في لندن أن الحكومة خرقت القانون عندما سمحت بتصدير أسلحة للنظام السعودي استخدمت في عدوانها على اليمن، فالإعلان البريطاني جاء على لسان وزير التجارة الدولية ليام فوكس أمام مجلس العموم بقوله: “لن نمنح تراخيص جديدة لبيع أسلحة إلى السعودية وشركائها في التحالف يمكن استخدامها في الحرب باليمن”.
وأن يصرح فوكس بذلك ويقول: “يمكن استخدامها في الحرب باليمن” لكي يبرئ ساحة حكومته في مشاركتها بإجرام بني سعود وتحالفهم العدواني، على أساس أنه ليس لديها علم بأن أسلحتها تستخدم في سفك الدم اليمني! هذا من جانب، ومن جانب آخر يوحي بأن توريد السلاح البريطاني للنظام السعودي سيبقى مستمراً ما لم يستخدم في اليمن، وإن استخدم وانكشف الأمر فلا مسؤولية لحكومته بذلك! لن نستبق الحدث فلننتظر ما بعد الإعلان ونراقب على أي حال سيرسو الأمر.
على أي حال، هذا لا يعني تبرئة ساحة الحكومة البريطانية من مسؤولية بيع السلاح لنظام مجرم، ولا من مشاركتها الفعلية هي وكل الدول المتواطئة مع النظام السعودي في الإجرام بحق الشعب اليمني، وهذا ما تؤكّــده محكمة بريطانية قضت بأن الحكومة البريطانية خرقت القانون عندما سمحت بتصدير أسلحة للنظام السعودي، وقد استخدمت في عدوانه على اليمن، وإن لم يكن كذلك فأين ذهب بكل ترسانته التي يشتريها من الغرب ويستمر بالطلب في شراء المزيد من الأسلحة؟!.
تورط الحكومة البريطانية في خرق القانون لسماحها بتصدير السلاح لبني سعود أثبته القاضي تيرنس إثرتون بقوله عند إعلان الحكم: إن محكمة الاستئناف خلصت إلى أن عملية اتخاذ القرار التي قامت بها الحكومة كانت معيبة من الناحية القانونية في جانب مهم؛ لأَنَّها لم تجر تقييمات كاملة بشأن ما إذَا كان “التحالف” الذي تقوده السعودية ارتكب انتهاكات للقانون الإنساني الدولي خلال الحرب على اليمن، مضيفاً عند النطق بالحكم أن قرار المحكمة يعني أنه يتعين على الحكومة البريطانية إعادة النظر في الأمر، وأن تجري التقييمات اللازمة بشأن الوقائع السابقة التي تثير القلق.
وقبل أن تعلن الحكومة البريطانية وقف بيع الأسلحة للنظام السعودي، جاء قرار المحكمة والذي على أثره تداعت هذا الحكومة لإعلانها عن وقف منح تراخيص جديدة بتصدير أسلحة لهذا النظام وهذا ما أكّــده خبراء عند النطق بالحكم في الدعوى القضائية المرفوعة من قبل الحملة المناهضة لتجارة السلاح على الحكومة البريطانية على أنه سيدفع تلك الحكومة لوقف مبيعاتها للأسلحة لنظام بني سعود الذي قال عنه أندرو سميث أحد أعضاء الحملة بأنه “أحد أكثر الأنظمة وحشيةً وقمعاً في العالم، ومع ذلك ظل لعقود من الزمن أكبر مشترٍ للأسلحة البريطانية”، مضيفاً: “يجب أن تتوقف مبيعات الأسلحة له على الفور”.
إذاً، بريطانيا تتحمل مسؤولية كبيرة لدور حكومتها الرئيسي في دعم “تحالف” العدوان الذي يقوده النظام السعودي ضد الشعب اليمني بصفقات الأسلحة الموثقة رسمياً والتي تتجاوز قيمتها 7 مليارات جنيه استرليني خلال تسع سنوات، ناهيك عن الدعم العسكري واللوجستي وقد فضحت صحيفة الغارديان تورط بريطانيا في هذه الحرب عندما كشفت عن مشاركة آلاف البريطانيين في “تحالف” العدوان بحربه على الشعب اليمني، وأفصحت بأن بريطانيا لا تدعم الرياض بالسلاح فقط، وإنما هناك نحو 6300 بريطاني يعملون في القواعد العسكرية السعودية من أجل صيانة الطائرات الحربية، وأن المساعدات البريطانية هي التي تسهم في استمرار الحرب الوحشية التي أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف وجرح مئات الآلاف وأغلبهم من المدنيين، وتشريد الملايين، وخلق أسوأ أزمة إنسانية في العالم، في انتهاك فاضح للقانون الإنساني الدولي، كما أن الجميع يعلم أن نظام بني سعود لن يتجرأوا على شن عدوانهم الآثم لولا المشاركة والدعم والتغطية من الغرب وبريطانيا جزء منه.
انكشفت اللعبة وفضح الدعم الغربي للعدوان وإرهابه، كما فضح أمر مشاركته المباشرة في الإجرام والعدوان وفي كُـــلّ ما جرى ويجري في اليمن، ولكي تسحب الولايات المتحدة يدها من تبعات الحرب وانتكاساتها المتكرّرة نتيجة الانتصارات التي تحقّـــقها شعوب المنطقة المقاومة لمشروعاتها في الهيمنة والعدوانية، وانقلاب السحر على الساحر، أي على قوى العدوان بالهزائم المتتالية، وانتقال اليمنيون الأبطال من الدفاع إلى الهجوم رغم معاناتهم وفارق القوة العسكرية من حيث حجم العتاد ونوعيته وما إلى ذلك بين الطرفين، وحقّـــقوا انتصارات نوعية وانتقلوا من الداخل باتجاه أراضي المعتدي وأصابوا مقتلاً فيه.
هذا الأمور وأمور عدّة دفعت الأمريكي للانصياع مجبراً، عله يحفظ شيئاً من ماء الوجه، فاندفع عبر الكونغرس مصوتاً في مجلس الشيوخ لمشروع قرار يعارض خطة الرئيس دونالد ترامب لإتمام صفقات بيع أسلحة للسعودية وذلك في تحد لترامب شارك فيه بعض زملائه في الحزب الجمهوري، وقد جاء التصويت بواقع 53 مقابل 45 صوتاً لصالح أول مشروع قرار من بين 22 مشروعاً تسعى إلى إلغاء قرار اتخذه ترامب الشهر الماضي لتخطي عملية مراجعة الكونغرس للصفقات وإتمام اتفاقات أسلحة قيمتها تتخطى ثمانية المليارات دولار للسعودية والإمارات ودول أُخْـــرَى.
وانتقدت منظمات حقوقية دولية مواصلة دول عديدة بينها الولايات المتحدة وفرنسا توريد الأسلحة لـ “تحالف” بنى سعود العدواني الذي ارتكب مجازر في اليمن لا تحصى بحق المدنيين وخَاصَّــة الأطفال والنساء في غاراته اليومية على المناطق الآهلة بالسكان، كذلك حذرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن مبيعات الأسلحة للنظام السعودي، إذ قالت: في حال أصرّ ترامب على تقديم الدعم للقاتل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، فإنَّ عليه ألا يتجاوز «الكونغرس»، مضيفة: أمام «الكونغرس» الفرصة، ليس للتصويت ضد المبيعات الحالية للأسلحة التي قرّرها ترامب للسعودية وحسب، وإنما أيضاً للتصرف بناءً على مقترحات لتعديل قانون مراقبة تصدير الأسلحة لمنع انتهاكات مستقبلية من قبل الرئيس الأمريكي، ورأت أن الفرصة الآن مواتية أمام الكونغرس للجم ترامب وإثبات قدرته بعدم السماح لترامب أن يتخطى صلاحياته.
كما دعت منظمات غير حكومية السلطات الفرنسية إلى الاحتذاء بنظيرتها البريطانية التي أعلنت تعليق منح عقود تسلح جديدة للنظام السعودي الذي يقود عدواناً متواصلاً على اليمن منذ 2015، إذ قالت بينيدكت جينروود من منظمة هيومن رايتس ووتش: إن قرار محكمة الاستئناف بلندن تأريخي ويوجه رسالة قوية جداً للدول الأوروبية مثل فرنسا التي تواصل بيع الأسلحة للسعودية رغم الانتهاكات المنهجية ضد المدنيين في اليمن، وأن تأخذ الحكومة الفرنسية العبرة من ذلك وتوقف فوراً شحنها للسلاح إلى نظام بني سعود.
وأيدها في ذلك توني فورتين من منظمة مرصد الأسلحة بقوله: إن قرار محكمة الاستئناف بلندن نبأ جيد يتعيّن أن يأخذ به القضاء الفرنسي، وبينما دعت لوسي كلاريدج من منظمة العفو الدولية إلى الاستمرار في الدعوة إلى تعليق فوري لكل شحنات الأسلحة التي قد تستخدم ضد اليمن، أكّــدت منظمة أوكسفام أنه حان الوقت للدول المنخرطة في بيع السلاح بما فيها المملكة المتحدة وفرنسا لمضاعفة الجهد للتوصل إلى اتفاق سلام بدلاً من تغذية النزاع بالأسلحة.
وبناء على ما سبق أعلنت الحكومة البريطانية تعليقها إصدار تصاريح جديدة لبيع أسلحة للنظام السعودي بعد قرار محكمة في لندن أن الحكومة خرقت القانون عندما سمحت بتصدير أسلحة للسعودية استخدمت في عدوانها على اليمن، وأيد مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قرار يعارض خطة الرئيس دونالد ترامب لإتمام صفقات بيع أسلحة للسعودية، كما أسلفنا آنفاً، فهل تحتذي فرنسا وغيرها من الدول المشاركة في العدوان حذو بريطانيا، وهل سيلتزم الجميع بوقف توريد السلاح لنظام بني سعود بشكل فعلي؟.
ولكن ما يحتاجه الشعب اليميني هو أكثر من وقف توريد السلاح لـ “تحالف” العدوان، إذ ينتظر أيضاً وقف العدوان وإنهاء الحصار والحد من أسوأ كارثة إنسانية يعاني على مدى أربع سنوات من العدوان عليه، ويحتاج إلى إعادة الإعمار وعودة الحياة إلى مجراها الطبيعي وهو لم ولن ينتظر خيراً من قوى العدوان ليقينه بأهدافها ومخططاتها الاستعمارية، لذلك اعتمد على قوته الذاتية في كسر شوكة قوى العدوان وفرض معادلاته رغم أنف المعتدين وأجبرهم على الانصياع، وسيتحقّـــق له ما يريد بقوة إرادته ويقين إيمانه بانتصاره وتحقيق مراده، وهو على يقين أن هناك أشقاء وأصدقاء صادقين كانوا معه وسيبقون إلى جانبه إلى أن تعود الحياة والبناء والإعمار والنهوض بما يلبي تطلعاته المستقبلية وطموحاته الواعدة.
* كاتب سوري