اليمنيون يكتبون مستقبلَ الأمة
حلمي الكمالي
عشيةَ إعلانِ تحالُفِ العدوان الأمريكي السعوديّ بدءَ عملياتِه العسكريّة على اليمن نهايةَ مارس 2015 أكّـــد قادةُ التحالف أن الحربَ لن تأخُذَ من وقتِهم أَكْثَــرَ من أسبوعين فقط، غير مدركين أن غرورَهم سيقذفُ بهم الأدبارَ، وأن الحربَ ستأخذُ جُلَّ وقتهم وحياتهم ومستقبلهم أَيْــضاً.
اليوم ونحن نشاهدُ في عامنا الخامس الطائراتِ الحربيةَ اليمنيةَ الصنعِ وهي تتجوّلُ في سماء العدوّ كالذبابِ وتدُكُّ أهمَّ مطاراتِه وموانئه هنا وهناك دون أن يحرّكَ ساكناً يمكنُ أن نُدرِكَ جيداً كيف قلَبَ اليمنيون الطاولةَ على الأعداءِ رأساً على عقب!
يبدو الأمرُ أبسطَ من ذلك كأن تقومَ أسرابٌ من الطائرات المسيّرة اليمنية بغضون أسبوعٍ فقط باستهداف مطار أبها الدولي للمرة الخامسة وتحوّله إلى أكوام من الخردة في وقت يسمع صداها مدوياً في البيت الأبيض الذي رفع الرايات البيضاء معلناً انتكاسةَ التحالف الدولي أمام الإرادة الشعبيَّة اليمنية كتلك التي شاهدها العالمُ أجمعُ في القمم الثلاثة الفاشلة.
هذه ليست فانتازيا خياليةٌ، إنما حقيقةٌ بالغةُ الأَلَقِ تدوِّنُها السواعدُ اليمنية الأصيلة وحنكةُ ودهاءُ قيادتها الوطنية ومن خلفها تضحياتُ رجال اليمن الشرفاء المرابطين في جميع جبهات الشرف الوطني.
ينشغلُ قادةُ الحرب في السعوديّة في فتح “المراقصِ الدينية “كاستراتيجيةٍ جديدةٍ لمواجهة النظام العالمي الجديد في الوقت الذي تعلنُ فيه صنعاءُ عن دخولِ طائرات مسيّرة وصواريخَ ذكيةٍ جديدة يمنية الصنع الخدمةَ بشكل شبه يومي.
هي مفارقاتٌ بينيةٌ تبرمُها العقولُ اليمنيةُ الزاهية على واجهة القرن، فبينما يضعُ أمراءُ الدواوين الملكيةِ في الرياض أيديَهم على خدودِهم، ترتفعُ صُوَرُ القائدِ اليماني المبجل السيد عبدالملك الحوثي في ميادين الكرامة في لبنان وتونس والجزائر والسودان كآخرِ قائد عربي ينهضُ بآمالِ الشعوبِ المستضعفة عنانَ السماءِ من المحيطِ إلى الخليج.
إذاً هي معركةُ وجود تجسّدُ فيها صنعاءُ حائطَ الصد الأخير؛ دفاعاً عن آخر جِدارٍ للكرامة العربية، فيما يكتبُ اليمنيون خلالها نصرَهم المعظَّمَ، في صورة جلية تؤكّـــدُ أنْ لا سبيلَ للخَلَاص من هذه المؤامرة الدولية سوى التشبّث بزناد البندقية اليمنية وقيادتها الوطنية التي تدركُ جيداً متى وأين وكيف توجعُ العدوَّ في الخاصرة.
خبراءُ الحرب والسياسة في الغرب يدركون جيداً دهاءَ القائد اليماني الذي يقودُ شعبَه من نصر إلى نصر، كما يدركون أنه ما زال هناك الكثيرُ والكثيرُ في جُعبة هذا القائد العظيم، وأنَّ خوضَ معركة كبرى بهذا الحجم بتجاوز ظروف اللحظة الاقتصادية والاجتماعية في آن واحد هو بحدِّ ذاته انتصارٌ عظيمٌ تشهدُه السياسةُ اليمنية.
لن نتحدَّثَ عن دقةِ الضربات الجوية والصاروخية الأخيرة ونسفِها لأسطورة التقانة العسكريّة الغربية برمتها، وتحويلِها إلى أضحوكة أممية إنما نتحدَّثُ عن مضمونِ هذه الضرباتِ الاستراتيجية بالنسبة للمعادلة العسكريّة والسياسية والتي تصيبُ مشاريعَ الهيمنة الأمريكية في المنطقة بالشلل.
إذ تأتي هذه الضرباتُ لتسجّلَ تحولاً جوهرياً في موازين القوى في زمن صعبٍ تشهدُه كافةُ الأصعدة، إن هذا التحولَ الذي تصنعُه البندقيةُ اليمنية وقيادتُها الوطنية لن يكونَ مرحلةً عابرةً تعيشُها البلدُ في ظرفٍ طارئ إنما محطةٌ تأريخيةٌ خالدة تمهّدُ لنظام وشعبٍ ثوريَّين قويين سيكونُ تأثيرُهما بشكل أكبرَ خارجَ حدود الجغرافيا في المدى القريب، وهو ما تغشاه قوى الرجعية والاستعمار بلا شك.
إلى ذلك، فإن ما يصنعُه اليمنيون اليومَ يضعُ حَدًّا لكل مشاريع الوصاية الأمريكية، ويمكنُ أن نرى نتائجَ ذلك بشكل أوضح بالمستقبلِ القريب في شكلِ خارطة المنطقة، ولا غرابةَ أن نشاهدَ ترسيمَ حدودٍ جديدة وسقوطَ أنظمة كأن تنقرِضَ مثلاً كما حدث “للديناصورات المغرورة”.
كُلُّ شيء واردٌ، كما عوّدتنا قيادتُنا الوطنيةُ الحكيمة التي جعلت من المستحيل ممكناً، وجعلت ما كان وارداً للأعداء في اليمن غيرَ وارد.