بعيدًا عن الانحيازات.. لماذا أصبحت السعودية بهذا الضعف عسكريًّا أمام الحوثي؟

قد يخسر الطرف الأقوى الحرب، حتى وإن فاز في معركةٍ؛ إذا فشل في تحقيق الأهداف التي حددها في بداية تحركه العسكري. وبإمكان الطرف الأضعف أن يصبح شوكة في حلق خصمه الأقوى، فيقضّ مضجعه، أو على الأقل يحرمه من حسم الحرب لصالحه؛ إذا استطاع نقل المعركة إلى عقر داره.

وربما تتوزع الخسائر على أطراف الحرب بنسب متفاوتة؛ إذا طالت أكثر من اللازم، وتحولت إلى صراع مفتوح، وطوى النسيان الأهداف الأصلية. ويسهل أن تنحرف بوصلة القتال؛ إذا استندت القرارات العسكرية إلى الثقة المفرطة، وغاصت في لجج التفكير بالتمني، وانتهجت اللامبالاة بمحنة الناس العاديين.

أما إذا اجتمعت كل هذه الأخطاء في ساحةٍ واحدة؛ فلا بد وأنك تتحدث عن حرب اليمن!

ترسانةُ التحالف العسكرية: أسلحة ثقيلة بخبرة أجنبية

تعتمدُ العمليات الجوية التي تنفذها السعودية في شمال اليمن على ثلاثة أنواع من الطائرات: «إف-15» الأمريكية، و«تايفون إي إف 2000» البريطانية، و«تورنادو» الأوروبية. ويحلق السعوديون بمروحيات «أباتشي» و«بلاك هوك» الأمريكية في سماء اليمن انطلاقًا من القواعد العسكرية في المملكة، فضلًا عن طائرات «كوغار إيه إي 532» الفرنسية. إلى جانب ذلك، رصدت المخابرات العسكرية الفرنسية خمسة أنواع من المقاتلات تحلق فوق اليمن، كلها من طائرات الناتو، إلى جانب طائرة «وينج لونج» بدون طيار التي ينتجها الصينيون.

تصطف هذه الطائرات على الحدود السعودية- اليمنية إلى جانب دبابات «أبرامز» الأمريكية و«أي إم إكس 30» الفرنسية، بدعم ما لا يقل عن خمسة طرز من المدفعية غربية الصنع. وتتنشر خمسة ألوية من الجيش السعودي وكتيبتان من الحرس الوطني -حوالي 25 ألف فرد- على طول الحدود، مدعومين بـ300 دبابة وكتيبة من 48 مدفع هاوتزر ذاتي الدفع، من طراز قيصر؛ القادر على قصف أهداف على بعد عشرات الأميال في عمق الأراضي اليمنية.

 

ويعتمد الحصار الذي فرضه التحالف على شرايين اليمن الحيوية -بهدف قطع الدعم عن الحوثيين، لكن أحد أضراره الجانبية كانت إعاقة شحنات المساعدات الإنسانية- على النماذج الأمريكية والفرنسية والألمانية من سفن الهجوم، إلى جانب طرازين من طائرات الهليكوبتر البحرية الفرنسية.

كما نشر التحالف دبابات «لوكلير» فرنسية الصنع على مشارف مدينة عدن الساحلية اليمنية في 3 أغسطس (آب) 2015، خلال عملية عسكرية ضد الحوثيين وحلفائهم. وعلى طول الحدود، نصب السعوديون المدفعية الفرنسية القادرة على استهداف عمق محافظات اليمن الشمالية، في حين حلَّق الإماراتيون بالطائرات الحربية الفرنسية ثنائية المحرك.

بيدَ أن هذه الترسانة العسكرية لم تستطع حتى الآن حسم الحرب لصالح التحالف، وأحد الأسباب -بحسب تقييم المخابرات العسكرية الفرنسية- وراء ذلك، يرجع إلى ضربات السعوديين غير الدقيقة ضد قوات الحوثيين الصغيرة، إلى جانب افتقار قواتهم إلى الحركية؛ ما يجعلهم مكشوفين أمام هجمات العصابات.

وعلى الرغم من التفوق التكنولوجي الهائل، لا تزال مشاركة السعوديين أقل فعالية في المهمات الجوية والبحرية، مقارنة بالإماراتيين الذين يتولون زمام الحصار المفروض على اليمن إلى حد كبير. وما يتمتع به الطيارون الإماراتيون من خبرة في استخدام الذخيرة الموجهة، وتطبيقهم معايير الناتو خلال مهام القصف، ربما يعود الفضل فيه إلى المرتزقة.

في المقابل، يحتفظ المتمردون بقدرتهم على إزعاج خصومهم، عبر مزيجٍ من المدفعية والصواريخ والمتفجرات البدائية والكمائن وعمليات التسلل إلى الأراضي السعودية.

مكاسب التحالف الميدانية.. تفسدها صواريخ الحوثيين الباليستية

أطلق الحوثيون أكثر من 150 صاروخًا باليستيًا على الأراضي السعودية، منذ بدء النزاع في عام 2015، استهدفت غالبيتها جازان ونجران في جنوب غرب المملكة، وفقًا للبيانات المقدمة إلى مجموعة الأزمات الدولية من التحالف الذي تقوده السعودية.

الغارات الجوية والهجمات الصاروخية على السعودية واليمن- المصدر: مجموعة الأزمات الدولية/ التحالف الذي تقوده السعودية

الصواريخ المرتجلة بعيدة المدى التي يطلقها الحوثيون ليست هي ما يقلق صناع القرار في الرياض أكثر، بل احتمال نجاح هجوم قصير المدى على مدنهم الجنوبية، يمكن أن يستغله الحوثيون دليلًا على أن المملكة لا تستطيع الدفاع عن مواطنيها.

خريطة الهجمات الصاروخية التي شنها الحوثيون على السعودية، من يونيو (حزيران) 2015 إلى مايو (أيار) 2018– المصدر: مجموعة الأزمات الدولية/ التحالف الذي تقوده السعودية

أما المكاسب الإقليمية التي أحرزها التحالف، خاصة في شمال غرب اليمن على طول الحدود اليمنية-السعودية، فقد أفسدت فرحتها الهجمات الصاروخية الباليستية التي شنها الحوثيون بالتوازي منذ أواخر عام 2017.

مكاسب التحالف VS الهجمات الحوثية- المصدر: مجموعة الأزمات الدولية/ التحالف الذي تقوده السعودية 

ورغم أن التحالف حقق مكاسب كبيرة على طول ساحل البحر الأحمر، حيث عمل مع المقاتلين المحليين في المناطق التي كان دعم الحوثيين فيها محدودًا، فإن تحقيق المزيد من المكاسب في المرتفعات، التي يتمتع الحوثيون فيها باليد العليا، سيكون أكثر تكلفة، ويتطلب نشر قوات برية كبيرة، ودرجة من التماسك بين القوات المناهضة للحوثيين، وهي الميزة الغائبة حتى الآن.

وبالنظر إلى تنامي قدرات الحوثيين الصاروخية، تتوقع مجموعة الأزمات الدولية أن تتفاقم المخاطر السياسية والتكاليف المحتمل أن تتكبدها السعودية وعواصم الخليج الأخرى، في المستقبل المنظور.

سيناريوهات التصعيد العسكري ومحدودية خيارات الانتقام

إذا لم تكتفِ الرياض باستهداف اليمنيين جوًا، والحصار القاسي الذي فرضه التحالف على مطارات اليمن وموانيه البحرية والبرية، قد تسعى المملكة إلى فرض قيود أشد، سيعاني منها الشعب اليمني أكثر من غيره.

السيناريو الأبرز الذي تحذر منه مجموعة الأزمات الدولية في هذه الحالة، هو حدوث تصعيد كبير يخرج عن نطاق السيطرة؛ ضربة صاروخية يمنية على مدينة سعودية أو إماراتية، تتسبب في خسائر أو أضرار جسيمة، قد تدفع الولايات المتحدة، أو السعودية، أو الإمارات إلى الانتقام من إيران انتقامًا مباشرًا أو غير مباشر.

يمكن أن يحدث هذا الرد داخل اليمن؛ باستهداف الأسلحة التي توفرها إيران أو غيرها من الأصول، على غرار الضربات الصاروخية التي شنتها إدارة أوباما في أكتوبر (تشرين الأول) 2016 ضد ثلاثة مواقع رادارات حوثية، ردًّا على هجمات صاروخية شنها الحوثيون على مدمرة تابعة للبحرية الأمريكية في البحر الأحمر.

لكن توجيه ضربة للأصول الإيرانية في اليمن، لن يمر بدون رد من الجمهورية الإسلامية على الأرجح، وقد يدفع طهران إلى مضاعفة دعمها للحوثيين، أو حتى اتخاذ تدابير انتقامية ضد القوات الأمريكية في العراق وسوريا، حيث التفوق العددي لصالح الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران.

الأخطر من ذلك، أن تصب إحدى هذه الدول جام انتقامها مباشرة على الأراضي الإيرانية، على سبيل المثال؛ عن طريق استهداف مصانع الصواريخ، أو قواعد الحرس الثوري الأخرى.

أما إذا كانت الدولة المهاجمة خليجية، من المحتمل أن تنتقم إيران بتوجيه ضربة انتقامية إليها، لكن إذا كان الهجوم على الأراضي الإيرانية انطلاقًا من سفينة حربية أمريكية، فستكون الاستجابة المباشرة أقل ترجيحًا، بالنظر إلى قدرات التصعيد الأمريكية.

وفي كلتا الحالتين، سيكون رد الفعل الأكثر منطقية، غير مباشر وغير متماثل، باستخدام وكلاء إيران أو شركائها لاستهداف القوات الأمريكية في العراق، أو سوريا، أو أفغانستان.

كما أن خيارات السعوديين والإماراتيين للانتقام من الحوثيين داخل اليمن محدودة، وتنطوي على مخاطر كبيرة، بحسب مجموعة الأزمات الدولية. وفي نهاية المطاف لن ينجح توسيع الحصار وتشديد قبضة التحالف على الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون في وقف تهريب الأسلحة.

من المرجح أن يستمر العتاد العسكري في التدفق على متن المراكب الشراعية على طول سواحل البحر الأحمر وبحر العرب، وبريًّا من سلطنة عمان، فضلًا عن سوق الأسلحة اليمنية الداخلية، الذي يضم أسلحة مقدمة من التحالف ذاته. وسيكون جناح الحوثيين العسكري آخر من يعاني من تدهور الظروف الإنسانية، في حين أن العواقب على السكان المدنيين ستكون كارثية.

الخيارات العسكرية محدودة أيضًا؛ بعد الحديدة، يمكن أن يوسع التحالف قائمة أهداف غاراته الجوية، أو يخطط لشن هجوم على صنعاء، لكن هذا من شأنه أن يثير إدانة دولية، ويغذي الاستياء العميق والمتنامي تجاه المملكة فى الشمال.

حتى الآن، شن التحالف 19748 غارة جوية منذ عام 2015، أسفرت عن إصابة 9613، ومقتل 8419 قتيلًا، بحسب مشروع بيانات اليمن. ويجب تأكيد أن هذه تقديرات متحفظة، وأن الخسائر البشرية الحقيقية ربما تكون أكثر من ذلك بكثير. فضلًا عن الآلاف الذين نزحوا بسبب الحرب، والملايين الذين يعانون من نقص الغذاء وعدم كفاية الرعاية الطبية.

على وجه التحديد، هناك 14 مليون شخص على حافة سوء التغذية، وفي أواخر العام الماضي، حذر جيرت كابيلير، المدير الإقليمي لـ«منظمة اليونيسف» في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من أن حوالي 7 ملايين طفل يذهبون إلى الفراش جائعين كل ليلة.

 

وإذا كان علي عبد الله صالح، بكل ما أوتي من دهاء، واستخدم من تهديدٍ، ودفع من أموال، وعقد من تحالفات، لم يستطِع مواصلة «الرقص فوق رؤوس الثعابين» للأبد، فما بالك إذا ثارت الأفاعي من داخل البلاد وخارجها لتشتبك في معركةٍ وحشية على السلطة، بعدما لم يعد لحسن الظن موطئ قدم، وبات الشك هو سيد الموقف؟ مَن بإمكانه إقناع -ناهيك عن إكراه- كل ثعابين اليمن المتنافرة على الانضمام إلى حلبة الرقص؟

حين طرح سكوت ستيوارت السؤال السابق عبر «ستراتفور»، قبل سنوات كان لا يفتقر إلى المنطق، لكنه الآن أكثر إلحاحًا من أي وقتٍ مضى. لكن بعيدًا عن قعقعات السلاح، يبقى المواطن اليمني المسكين لا بواكي له.

بعيدًا عن الأفلام الحربية.. ما هو مقياس انتصار التحالف في اليمن؟

أشكال الحرب التقليدية التي نراها في الأفلام التاريخية، حين يبدأ القتال بمبارزةٍ وينتهي بفوز أحد الطرفين واستسلام الآخر، لم تعد موجودة. آخر مرة شهد العالم استسلامًا عسكريًّا كان إذعان القوات اليابانية أمام الأمريكيين خلال الحرب العالمية الثانية.

منذ الاستسلام الياباني، انتهت كل معركةٍ لاحقة بانتصار جزئي ومفاوضات سياسية، غالبًا بسبب تدخل بعض القوى الدولية التي حالت دون إحراز انتصار ساحق لأي من طرفي النزاع. والحال هكذا، يبقى مقياس النصر الأوضح في حروب العصر الحديث هو تحقيق كافة الأهداف الاستراتيجية التي أُعلِنَت في بداية التدخل العسكري.

وإذا كان السبب الصريح للتدخل العسكري بقيادة السعودية والإماراتية هو «هزيمة الحوثيين»، وإعادة حكومة هادي، وقطع أصابع إيران في المنطقة، وتأمين المدن الحدودية السعودية؛ فإحراز النصر في هذه الحرب يتوقف على تحقيق هذه الأهدف.

يرى بعض الكتاب السعوديين -مثل محمد السعيد في صحيفة عكاظ- أن المملكة استطاعات تحقيق كافة أهدافها، ويؤكد الإماراتيون أن «التحالف استنزف إيران وعطل مشروعها الخطير في اليمن».

لكن رغم اجتياح الدولة الفقيرة، وتدمير بنيتها التحتية، وتجريف بعض أراضيها الزراعية الأكثر إنتاجية، وتتويج ذلك بأسوأ أزمة إنسانية على ظهر الكوكب -رغم هذا الدمار- يرى مايكل هورتون في موقع «ذي أميركان كونسرفاتيف» أن «اليمن تحول إلى فيتنام أخرى للسعودية والإمارات». وأن الدولتين «ضختا مليارات الدولارات، ونشرتا عددًا لا يحصى من الجنود والمرتزقة، فيما أصبح مستنقعًا ذا أبعاد كارثية. وما كانا يأملان في أن يكون حربًا سريعة وحاسمة تحول إلى صداعٍ مزمن».

دروس التاريخ المنسية VS أخطاء الحاضر القاتلة

طائراتٌ بدون طيار تهاجم خطوط الأنابيب السعودية التي تضخ النفط من المنطقة الشرقية إلى البحر الأحمر، وصواريخٌ تمطر المدن السعودية بالقرب من الحدود اليمنية، وهجمات تخريبية تستهدف أربع سفن إحداها سعودية في ميناء الفجيرة الإماراتي.

كيف وصلت المملكة العربية السعودية إلى هذا الحد، على الرغم من قوتها العسكرية وتفوقها الجوي ودعم حلفائها الإقليميين والدوليين: مصر والبحرين والكويت والإمارات والسودان والأردن والمغرب وفرنسا وإيطاليا، والأسلحة التي تكبد ميزانية السعودية والإمارات مليارات الدولارات من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة؟

«تاريخ اليمن الذي يمتد لألفي عام يثبت حتمية استنزاف القوى الإمبرياليةk ناهيك عن الدول الأقل سطوة. هزم اليمنيون الرومان والأتراك العثمانيين مرتين، وطردوا البريطانيين عام 1967، وهزموا المصريين في عام 1962». *مايكل هورتون

ومثلما لاقت الولايات المتحدة في فيتنام قبل أكثر من 40 عامًا، وفي الآونة الأخيرة في أفغانستان، يجد الغزاة أنفسهم في مواجهة حرب استنزاف للدماء والموارد، ومع إطالة أمد الصراع يفقدون أي سلطة أخلاقية وسياسية قد تكون لديهم في بداية التدخل العسكري.

بيدَ أن السعوديين نسوا دروس الحروب السابقة، بما فيها تلك التي خاضوها قبل نصف قرن في اليمن، وإلا ما وضع ولي العهد البلاد والعباد والبنية التحتية السعودية في بؤرة الاستهداف الصاروخي، باتخاذه قرار التدخل العسكري في اليمن عام 2015، دون تخطيط محكم لكيفية الخروج من هذا المستنقع.

وبينما أسهم المستنقع اليمني السابق خلال ستينيات القرن الفائت في هزيمة مصر أمام إسرائيل في عام 1967، قد تسدد المنطقة بأسرها فاتورة المستنقع اليمني الحالي، بما يفوق دماء أكثر من 10 آلاف شخص أريقت خلال السنوات الأربع العجاف.

كان اليمن هو ميدان أول عملية عسكرية خارجية يأمر ترامب بتنفيذها بعد دخوله البيت الأبيض، فقد كانت نتيجتها «فشل مثير للقلق»، على حد وصف أستاذ العلاقات الدولية في «جامعة جورج واشنطن»، أميتاي إتزيوني.

للمفارقة، كان أول تدخل عسكري خارجي يديره ولي العهد السعودي بعد تعيينه وزيرًا للدفاع أيضًا في اليمن، وأسفرت «إحدى نتائجه الجانبية عن إنشاء ملاذات آمنة لتنظيم القاعدة»، بحسب سايمون هندرسون، مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن، إلى جانب أعباء عسكرية واقتصادية أخرى.

المنشور في الصحافة الأمريكية يشير إلى أن ترامب اتخذ قرار شن الغارة أثناء محادثة على العشاء مع مجموعة من بينهم ستيفن بانون، لكن ما لم تكشفه الصحافة السعودية هو المكان الذي يتخذ منه الأمير الشاب قراراته الحربية الخطيرة المتعلقة باليمن.

* ساسة بوست

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى