بعد عام من الحرب على اليمن.. السعودية تعلن سيطرتها على جزر مصرية
بقلم / حنان محمد السعيد
قد يبدو العنوان كوميديا، ولكنه في حقيقة الأمر مؤلمّا مبكيّا، وخاصة عندما يكون واقعّا مريرًا وليس من قبيل العبث والهزل، فالسعودية والتي قادتها مغامرات غير محسوبة الى السقوط في أزمة لا تجد للخروج منها سبيلا، أصبحت تتفاخر بتحقيق انتصارات زائفة يشتريها المال من ضعاف النفوس الذين وضعوا سعرًا للكرامة والعرض والأرض والدم، وسهل عليهم التخلي عنهم لمن يدفع الثمن.
وكعادة كل الكوارث الكبرى التي نتعرض لها ولا يكاد يمر يوم واحد بدون أن تطرق أبوابنا وعيوننا وآذاننا، يتم توظيف الآلة الاعلامية بالكامل لتبرير القرارات التي أدت اليها، والتي أقل ما يمكن أن نصفها بها أنها تقع تحت تعريف الخيانة العظمى.
انطلقت الآلة الاعلامية تبرر بيع جزيرتي تيران وصنافير المصريتين ذاتا الموقع الاستراتيجي الخطير والهام، إلى الجانب السعودي، وهي بالمناسبة غير واقعة تحت طائلة اتفاقية كامب ديفيد، وشهدت تاريخًا طويلًا من الحروب والعمليات التي تدخّل فيها الجيش المصري الوطني لحمايتها باعتبارها أراضي مصرية.
واتفاقية ترسيم الحدود التي يتم الاعتماد عليها حاليا، والموقعة منذ عهد الخديوي عباس في عام 1906 تضع جزيرتي تيران وصنافير تحت سيادة الدولة المصرية، وكذا قرية أم الرشراش المعروفة حاليا باسم “إيلات”، كما أنها تسببت في فصل العقبة والساحل الأسيوي بطول خليج العقبة عن الدولة المصرية، فأين هذا من مملكة آل سعود والتي أُسست في عام 1932؟.
وبمتابعة ما كتبه المبررون وجدت آراءهم جميعا تنحصر في عدة نقاط نذكرهم تباعا:
المبرر رقم واحد: الجزيرتان سعوديتان وكانت مصر تعمل على حمايتهما وعادتا لأصحابهما، وسقط هذا التبرير تماما في أول لحظات اطلاقه، بسبب تاريخ الاتفاقية السابق على تاريخ إعلان السعودية، وذكر الجزيرتان اللتان تمتلكان طبيعة خلابة في كتب التاريخ التي وضعتها وزارة التربية والتعليم المصرية على أنها جزر مصرية، إضافة إلى أن الزعماء الوطنيين مثل الراحل جمال عبد الناصر والذي بالمناسبة يثير اسمه غضب وحزن خونة العروبة والدم، أشار إلى هذه الجزر تحديدا باعتبارها أراضي مصرية لن يسمح لأحد بالمساس بسيادتها، ناهيك على أن أي مناطق متنازع على سيادتها بين دولتين تخوض من أجلها كل دولة صراع لاثبات أحقيتها في الأرض، ونحن لم نسمع من قريب أو بعيد عن مناقشات حول هذه الجزر ولم يطالب بها أحد إلا في اليوم البائس الذي قُدمت فيه الجزيرتان إلى جوار شاي الضيافة على طبق الحلوى.
المبرر الثاني: هو أن استيلاء السعودية على هذه الجزر فيه تهديد لإيران بأنه لا تنازل عن الجزر الاماراتية التي استولت عليها إيران في عام 1971، وهذا المبرر الأكثر غباءًا هو ما اعتمد عليه المبررون في تحليل تدمير سوريا بدعم معارضة مسلحة من كل أقطار الأرض، أفشلت مطالب المعارضة الشريفة في تحقيق العدالة والمساواة، وأدخلت البلاد في صراع متعدد الأطراف قتل أهلها وشردهم وساق البلاد إلى دمار عام وشامل، وهو أيضا الذي ساقه المبررون في تدمير اليمن وإغراقها بالأسلحة المحرمة دوليا وإراقة دماء أهلها وهدم منازلهم فوق رؤوسهم، وهو أيضا المبرر الذي به تجثم القوات السعودية على أنفاس المعارضين في البحرين وتنكل بهم أيما تنكيل.
ولا أفهم حقا أن تدمر المنطقة بالكامل لارهاب عدوك، والذي بالمناسبة لم تجرؤ على المساس به أو اطلاق رصاصة تجاهه، فإذا كنت تعتبر أن هؤلاء هم “ذيله” في المنطقة، فالمنطق يقول لك أن قتل “الذنب” لا يؤثر على الرأس في شئ.
المبرر الثالث: والذي اعتبره لوذعي وخارق للعادة، ودليل على تطور فن التدليس، وهو القائل بأن إعطاء هذه الجزر المصرية لآل سعود، إنما هو ضربة للكيان الصهيوني، للتمكن الدولتين من مد جسر بينهما وعمل منطقة اقتصادية ونقل العتاد والجنود إلى الجزر لأن اتفاقية كامب ديفيد تمنع وجود قوات ومعدات في مناطق في سيناء.
وبالرغم من أنها محاولة جيدة، إلا أن صاحبها خالفه أيضا الصواب، فالمناطق التي يمنع فيها وجود معدات عسكرية وجنود هي مناطق في سيناء غير متضمنة لتيران وصنافير، وإذا كنت بالفعل تريد إو لديك القدرة والنية لتهديد اسرائيل او ردعها، كان يمكنك ان تسلح الجزيرتين بدون وجود مانع من ذلك، اضافة الى ان العلاقات الخليجية الاسرائيلية لما تكن يومًا على هذه الدرجة من الانسجام والوئام، وحتى ان الأصوات تتعالى لادخالها ضمن حلف سني لافشال المشروع الإيراني في المنطقة، ناهيك عن إعلان ملك البحرين بدون خجل ان إسرائيل يمكنها حماية من اسماهم “الدول المعتدلة في المنطقة”، وتغريدات خلفان حول الدولة الكبيرة التي ستحكم فيها إسرائيل العالم العربي، ما يعني انه سواء كانت الجزر تحت حكم السعودية او تحت حكم مصر فانها لا تمثل اي تهديد لإسرائيل لأنها ضمنت ولاء الجميع، ولحسم المسألة صرح وزير الخارجية السعودي منذ قليل عن احترام السعودية لأي اتفاقات مصرية – اسرائيلية تتضمن الجزيرتين.
وفي النهاية يبقى أن القائمين على الحكم في السعودية يحاولون شراء نصر زائف يخفون به فشلهم بعد أن اسقطتهم المغامرة غير المحسوبة في المستنقع اليمني ولم تحقق خلال عام من اتخاذ هذا القرار الساقط إلا إحراق المدن ومعها مليارات الدولارات من خزانتها، والمُنهكة بشدة بسبب التدهور الحاد في أسعار النفط، والذي يجعلها تضخ المزيد والمزيد من النفط في محاولة يائسة لتحقيق أي ربح، في الوقت الذي يأتي هذا بنتائج عكسية بتخفيض الأسعار أكثر، وهي مهددة أكثر من أي وقت مضى، باستنفاد رصيدها من الخام، خاصة مع السحب الجائر الحادث الأن، والذي يضع الأجيال القادمة في موقف لا تُحسد عليه مع اعتماد البلاد شبه الكامل على النفط.