في اكثر التحليلات سذاجة.. ترامب يتباهى بأنه منع الإيرانيين من ترديد شعار “الموت لامريكا”..
عبد الباري عطوان
في مقابلته الاحدث التي نشرتها مجلة “التايم” الامريكية اليوم ونقلت مقتطفات عنها وكالة انباء “رويترز” العالمية، كشف الرئيس دونالد ترامب عن كم هائل وغير مسبوق من السذاجة، عندما قارن بين خطاب ايران الحالي، ونظيره اثناء مرحلة ما قبل توقيع الاتفاق النووي (عام 2015)، وقال ان هذا الخطاب لم يعد يتضمن شعارات “الموت لامريكا.. الموت لامريكا.. سندمر أمريكا.. سنقتل أمريكا”، وأضاف “لا اسمع هذا كثيرا الان.. ولا أتوقع ان اسمعه”.
هذا “الإنجاز” الغارق في السذاجة، الذي يفتقد الى قراءة بعيدة كليا عن الوقائع على الارض، ولا يستند الى براهين، وادلة علمية، يؤكد لنا امرين، الأول ان قائله، أي الرئيس ترامب، شخص ضحل سياسيا وفكريا وقياديا، وليس لديه أي جديد يقوله، والثاني انه بات متأثرا بطريقة تفكير حلفائه العرب في منطقة الشرق الأوسط، أي الأسلوب الانشائي الخالي من أي جوهر.
فاذا صدقنا تصريحات الرئيس ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو بأن خلية تابعة للحرس الثوري الإيراني هي التي نفذت عملية تفجير ناقلتي النفط العملاقتين في خليج عمان، فان هذا يعني، وللوهلة الأولى، ان ايران انتقلت من مرحلة اطلاق الشعارات الى مرحلة التطبيق العملي لها، وهذا انتقال خطير جدا يستعصي على فهم الرئيس الأمريكي، ويجعله يترحم على ايام ترديد هذه الشعارات.
***
نشرح اكثر ونقول ان الرئيس ترامب يدين نفسه بإطلاق هذه التصريحات عندما يؤكد ان ايران فعلا باتت هي التي تأخذ زمام المبادرة في “المناوشات” العسكرية، ومعركة عض الأصابع مع أمريكا في منطقة الخليج العربي، فاذا كانت فعلا هي التي نفذت الهجوم على الناقلات مرتين في غضون شهر، فهذا يجب ان يضاعف من القلق الأمريكي، لان التنفيذ كان على درجة عالية من الدقة والاحترافية، لان الخلية المنفذة لم تترك أي بصمات وانسلت عائدة الى قواعدها سالمة دون ان يتم رصدها في واحدة من اكثر مناطق العالم ازدحاما بالكاميرات، والاقمار الصناعية، واجهزة المراقبة المتقدمة جدا، إقليمية كانت او أمريكية.
لو انتقلنا الى “الفيديو” الذي استندت اليه الإدارة الامريكية كدليل على التورط الإيراني، وتضمن قيام زورق إيراني بإزالة لغم لم ينفجر من جسم الناقلة اليابانية المستهدفة، فان هذا الفيديو يؤكد نظريتنا السابقة حول الدقة في التنفيذ، فإزالة مثل هذا اللغم، وبهذه الطريقة السريعة والدقيقة، ودون أي خوف او قلق من انفجاره، او وجود عيون العسس وكاميرات المراقبة، بل ووجود عبوات ناسفة مزوعة يمكن ان تُفجّر عن بعد، يعني ان الخلية المنفذة متقدمة جدا تقنيا واستخباراتيا عن خصومها الامريكان، وهذه حقيقة مرعبة.
لا نجادل مطلقا بأن ايران باتت في وضع صعب من جراء العقوبات الامريكية التي أدت الى تخفيض صادراتها النفطية من 2.5 مليون برميل الى 200 الف برميل يوميا فقط، مما يعني حرمانها من عوائد سنوية في حدود 40 مليار دولار، ولكن من الواضح انها انتقلت من الدفاع الى الهجوم، ومن اطلاق شعارات الموت لأمريكا، الى اتخاذ خطوات عملية بعرقلة الصادرات النفطية، والملاحة الدولية في المنطقة ودون اغلاق مضيق هرمز في الوقت الراهن على الأقل.
***
قرار الرئيس ترامب بإرسال ألف جندي امريكي الى المنطقة لتأمين الدفاع عن حاملات الطائرات والسفن الامريكية، يعكس خطوة رمزية ليس لها أي قيمة عسكرية، لا توحي بوجود قرار بأي رد انتقامي وشيك، بينما اذا تأملنا التهديد الإيراني باستئناف تخصيب اليورانيوم بمعدلات تصل الى 20 بالمئة، وزيادة الكمية المسموح بها وهي 300 كيلوغرام فقط، اعتبارا من 27 حزيران (يونيو) الحالي، توحي بأنها غير مستعدة بالقبول بالوضع الحالي، أي استمرار العقوبات دون رد، مثلما توحي بأنها تواصل التحدي، وربما تخطط لهجمات أخرى على المزيد من الناقلات، او مصالح أمريكا وحلفائها في المنطقة، بشكل مباشر او عبر اذرع حلفائها العسكرية في المنطقة.
لا نعتقد ان التصريح الذي ادلى به اللواء حسين سلامي مساء اليوم الثلاثاء وقال فيه ان الصواريخ الباليستية الإيرانية فائقة الدقة قادرة على استهداف سفن وحاملات طائرات ونجحت في تغيير موازين القوى، لا نعتقد ان هذا التصريح جاء صدفة، او زلة لسان وانما رسالة متعمدة الى الرئيس ترامب، ومستشاره جون بولتون الذي اكتشف فضيلة الصمت مؤخرا، تؤكد ما ذكرناه آنفا بأن حالة الجمود الحالية التي تناسب أمريكا وحلفائها لن تطول، وان مفاجآت قادمة ربما تحمل اخطارا تتواضع امامها الهجمات على الناقلات، اذا صحت الرواية الامريكية التي تتهم ايران بالوقوف خلفها، وهي رواية تحظى بشكوك الكثيرين من بينهم أوروبيون وروس وصينيون، وهذه الاخطار واردة سواء صحت هذه الرواية او لم تصح، لان ايران كسرت حاجز الخوف، ولن تقبل ان يموت شعبها جوعا بسبب الحصار.. والأيام بيننا.