(نص) المحاضرة الرمضانية الحادية عشرة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1440هـ
متابعات | 17 مايو | مأرب برس :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.
وارض اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وتقبّل الله منّا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال، اللهم اهدنا وتقبل منّا إنك أنت السميع العليم وتبْ علينا إنك أنت التواب الرحيم.
على ضوء الحديث عن الآية القرآنية المباركة {وَلا تُبَذِّر تَبذيرًا (26) إِنَّ المُبَذِّرينَ كانوا إِخوانَ الشَّياطينِ ۖ وَكانَ الشَّيطانُ لِرَبِّهِ كَفورًا} [الإسراء: 26-27] نستفيد قواعد أساسية، نبني عليها نظامنا الاقتصادي كأمة مسلمة، ونصحح من خلالها رؤيتنا تجاه الجانب المادي وتجاه نعم الله سبحانه وتعالى علينا.
فيتضح لنا أهمية المال، أهمية النعم الإلهية، أهمية هذه الإمكانات والقدرات التي استخلفنا الله فيها ومكنّنا فيها، وما يرتبط بها من مسؤوليات، وأننا كأمة مسلمة بحاجة إلى أن نكون أمةً قوية في اقتصادها، أمةً تمتلك الحس الانتاجي، التركيز على الانتاج، التركيز على حسن التصرف والرشد والحكمة في التصرف فيما هناك من إمكانات وماديات، وأن لا نكون أمةً عابثة مستهترة لا تقدّر النعم، تبذر وتسرف وتبعثر هذه الامكانات المادية بغير رشد ولا مسؤولية.
القرآن الكريم فيه آيات كثيرة، مثلا في سورة النساء آيات كثيرة حول هذا الموضوع لدرجة أن الله جل شأنه يقول {وَلا تُؤتُوا السُّفَهاءَ أَموالَكُمُ الَّتي جَعَلَ اللَّهُ لَكُم قِيامًا وَارزُقوهُم فيها وَاكسوهُم وَقولوا لَهُم قَولًا مَعروفًا} [النساء: 5] السفهاء في هذه الآية هم الذين لا يمتلكون الرُشد في التصرف، لا يمتلكون التوازن الطبيعي في التصرف في المال، قد يعبثون ويتعاملون مع الموضوع بكل تفاهة وبلا مسؤولية نهائيا، لا يمتلكون اهتمامات ونظرة صائبة، طائشون، عبثيون، مهملون، تائهون في هذه الحياة، يمكن أن يصرف كل المال في شيء تافه، ليس متزنا ولا مرتبطا في هذه الحياة بأولويات واهتمامات صحيحة، هذه النوعية من الفاقدين للرشد، وغير القادرين على حسن التصرف، في الإسلام نظام حجر عليهم يحجر عليهم التصرف في أموالهم إلا تحت إدارة وإشراف يساعد على ضبط تصرفاتهم، وعلى أن يحصلوا من أموالهم على المقدار اللازم لحياتهم {وَارزُقوهُم فيها وَاكسوهُم وَقولوا لَهُم قَولًا مَعروفًا} [النساء: 5].
والأمة الإسلامية اليوم تعاني، نتيجة غياب هذه الرؤية وهذا الفهم الصحيح تجاه النعم الإلهية، الله سبحانه وتعالى مكّنَ أمتنا الإسلامية في منطقتنا العربية وسائر العالم الإسلامي من موقع جغرافي عظيم ومهم، مناطق مهمة، أعدَّ الله فيها وادَّخر فيها لهذه الأمة كل الامكانات المهمة واللازمة لقيام الحياة، وأكثر من ذلك، لنكون أمةً قوية متقدمةً على سائر الأمم والشعوب بما منحها الله من إمكانات وقدرات وخيرات، بلدان كبيرة وبلدان واسعة صالحة على المستوى الزراعي للزراعة في مساحات كبيرة منها، وكذلك تمتلك في الأماكن الأخرى الغير الصالحة للزراعة طاقات وإمكانات وقدرات مهمة، حتى الصحراء، حتى الربع الخالي جاثم على بحيرات هائلة من النفط الخام، الثروات المتنوعة التي منحها الله لهذه الأمة ولشعوب هذه المنطقة، ثروات هائلة جدا تُساعد هذه الشعوب تُساعد هذه الأمة على أن تعيش عيشةً هنيئةً تتوفر لها المقومات الضرورية للحياة، وأن تكون أمةً قوية تمتلك قدرات كبيرة وهائلة، والحال الذي نعيشه كأمةٍ مسلمة مُزرٍ على المستوى الاقتصادي، وهو نتاج نظرة خاطئة وفهم غير صحيح وسياسات تُبنى عليها الخطط الاقتصادية والتجارية، سياسات خاطئة، وغياب للوعي، لأن هذا الموضوع يحتاج إلى وعي عام، وعي عام لدى الجميع لدى الشعوب بنفسها، لدى رجال المال والأعمال، لدى القائمين على شؤون الناس، المسؤولين في الحكومات.
نحن أمة لا نستفيد لا من هذه الثروات الهائلة، الكثير من الثروات تذهب بشكلٍ كبير إلى أعدائنا، على المستوى الخام، المادة الخام تؤخذ إلى صالح أعدائنا، وعلى المستوى الانتاجي كذلك، لا نهتم بأن نعتمد على انتاجنا المحلي، ونعمل ونشتغل في حياتنا كسوق كبيرة لاستهلاك منتجات الآخرين، الآخرون يأخذون المواد الخام في كثيرٍ منها من بلداننا ومناطقنا ويستفيدون أيضا من الثروات النفطية في منطقتنا ويقومون هم بإعادة صناعة المواد الخام هذه، وتصدير الكثير منها إلى بلداننا كبضائع، ونأتي نحن فقط لنشتري ما أنتجوه وما صنعوه، ولا نمتلك الإنتاج لكثيرٍ من احتياجاتنا الأساسية والضرورية، بل ما يصنّف في قاموس الدول على أنه ضمن مفردات ما يدخل في حيز الأمن القومي لها، يعني أشياء أساسية لها أهمية استراتيجية وأهمية أمنية وأهمية لكي تكون تلك الأمة أو ذلك الشعب أو ذلك البلد حراً ويمتلك المقومات الأساسية والضرورية لكي يكون صامدا وثابتا في مواجهة التحديات ومواجهة الأخطار والأعداء، مثل القمح، القوت الضروري، المنتجات الأساسية جدا.
تهتم الكثير من البلدان لكي تمتلك الاكتفاء الذاتي فيها، يعني كثير من البلدان تحرص على أن تمتلك الاكتفاء الذاتي، أن تحقق الاكتفاء الذاتي لنفسها في انتاج الأشياء والاحتياجات الضرورية واللازمة للحياة، بحيث لا تكون من أعداءها ولا تكون من أطراف أخرى تملك التحكم عليها والضغط عليها بها كورقة ضغط، كورقة ابتزاز، كسلاح تفعّله ضدها، هذا وعي أممي وعي لدى أمم وشعوب وبلدان ليست حتى مسلمة، بفطرتها البشرية بالفطرة التي منحها للعباد، أما نحن المسلمين فالمسألة مأساوية جدا، لم نرقََ بعد إلى مستوى هذا التفكير لأكثر بلداننا وشعوبنا إلى التفكير الذي عليه الصيني الذي عليه الهندي، الذي عليه الياباني، الذي عليه الكوري، الذي عليه أي شخص هنا أو هناك، الروسي، مختلف شعوب وأمم الأرض يمتلكون هذا الوعي، يحرصون على أن يكون لهم اقتصاد قوي، على أن يكونوا أمماً منتجة قوية في اقتصادها، تصنع وتوفر احتياجاتها الأساسية، بل وتصدّر تلك الاحتياجات إلى بلدان أخرى، وهذا حاصل لدى كثير من الأمم والشعوب، تنتج وتصدر، ليس فقط وفّرت احتياجها الضروري، بل أكثر من احتياجها الضروري تصدر إلى بلدان أخرى.
يجب أن نعمل لأن نمتلك حس الانتاج وكذلك حسن التصرف، الرشد الاقتصادي الرشد المالي الرشد في التصرف المادي، التقدير للنعم الإلهية، النظرة من واقع المسؤولية تجاه النعم الإلهية، الوعي الاستراتيجي تجاه أهمية الجانب الاقتصادي في أن نكون أمةً قوية وأن نكون أمةً حرة وأن نكون أمةً تستطيع النهوض على قدميها في مواجهة الأعداء في مواجهة التحديات في مواجهة الأخطار، إذا كنّا عبثيين مهملين مستهترين، لا نمتلك إلا حس الاستهلاك نريد أن نستهلك كل شيء وأن نبعثر وأن نهدر كل الأشياء وأن نبذّر، هذا سيحولْ دون أن نكون أمة راشدة قوية جديرة بالنعم، هذا يُبعدنا عن أن نكون شاكرين لنعم الله، المبذّر والمستهتر بالنعمة والعابث بالنعم والإمكانات والقدرات ليس من الشاكرين أبدا، لأن أول بوابة أول مفتاح للشكر هو التقدير للنعم، فإذا الإنسان لا يقدِّر النعم أصلا وهو عابث مستهتر كل ما أعطاه الله من نعم يتعامل معها باستهتار، كل ما بيده من إمكانات يتعامل معها بعبث، يتلف الأشياء يحطمها يهملها، هذه الوضعية وضعية بعيدة عن وضعية الشاكرين للنعم المقدرين للنعم، فنحن يجب أن نعالج هذه المشكلة في واقعنا العام، وعلى المستوى الثقافي، هذه المسألة تحتاج إلى تثقيف إلى توعية لنفهم أن هذا الموضوع مهمٌ جدا في ديننا، يعني لنتعامل معه دينياً أن هذا الموضوع يرتبط به التزامات دينية، مبادئ دينية، أخلاق إسلامية، وأن علينا أن نخرج من التعامل المنفلت والعبثي والمستهتر تجاه هذا الموضوع، وأن نربي أولادنا منذ الصغر وأن نحرص حتى على النشاط على مستوى النشاط التعليمي، نسعى لأن تمتلك أجيالنا هذا الوعي، قيمة النعم في أن نكون أمة قوية، في أن نكون أمة حرة في أن نعيش حياةً طيبة حياة مستقرة، كثير من البؤس الذي تعيشه أمتنا ليس طبيعيا ليس حتى في حدود {أَنَّ اللَّهَ يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَن يَشاءُ وَيَقدِرُ} [الروم: 37] إنما هو نتيجة سرقات وفساد مالي، ونتيجة إهمال ونتيجة سياسات خاطئة ونتيجة تصرفات غير صحيحة.
الوضع الاقتصادي يحتاج إلى وعي عام، سياسات عامة، ويحتاج أيضا إلى تعاون، إلى تعاون، في البلدان الأخرى نهضت شعوبها من خلال شركات من خلال مؤسسات من خلال تجميع الجهد وتوجيه الجهد وتنظيم الجهد الجماعي من خلال تنظيم عملية الاستيراد والتصدير، من خلال إجراءات كثيرة، ليست المسالة أن الله منحهم أشياء كثيرة وحرمنا في بلداننا، لا، اليمن مثلاً وهو من أفقر البلدان العربية، اليمن أكبر من اليابان أكبر من بريطانيا أكبر من دول هي في مصاف الدول العظمى في هذا العالم، في مصاف الدول التي هي على مستوى، سواء الدول السبع او الدول الخمس أو الدول الـ15 بحسب الأرقام العالمية للدول التي هي في الصف الأول من حيث قوتها الاقتصادية، اليمن جغرافيا أكبر من كثيرا من الدول تلك، أيضا يمتلك على مستوى الامكانات الزراعية مالا تمتلكه اليابان مثلا، اليابان لا متملك بيئة زراعية ملائمة كاليمن، ولا أرضا زراعية كاليمن معظم اليابان جزر بركانية جزر بركانية غير صالحة للزراعة، ويتكدس الناس بأعداد هائلة جدا في مدن محشورون فيها، لكن نهضوا، من خلال الاهتمام الصناعي من خلال الاهتمام التجاري من خلال التقدم العلمي نهضوا، أمة منظمة أمة عندها اهتمام أن تتقن أن تنتج انتاجاً متميزا، نحن نمتلك من القيم الدينية والمبادئ والتشريعات الإلهية ما يساعدنا على حتى أن يكون الانتاج عندنا انتاجا متميزا، يحرُمْ عندنا الغش يجب أن يكون عندنا اهتمام بإنتاج الأشياء بشكل صحيح وسليم، قيم دينية، دينية، ولكن المشكلة غياب هذه القيم وعدم ربط الجانب الاقتصادي بنهضة الأمة، لأن موضوع النهضة في داخل الأمة بكله شُطِب، شُطِب لم تمتلك أمتنا مشروعاً لتنهض أبدا، أتى عليها حكام متسلطون وحكومات فاسدة وجائرة وكثيرٌ من الشخصيات الذين يتبوؤون مواقع المسؤولية في بلداننا اهتماماتهم شخصية، هذا مهتم بأن يكون له رصيد في البنك ومهتم أن يكون له من موقعه في المسؤولية منصبا أو عائداً مادينا وثروة وشركة ومؤسسة، وهكذا ينمّي حاله الشخصي، فيصبح هذا الزعيم أو ذاك الرئيس يمتلك مليارات في الدول، أرصده في بنوكها ويمتلك مشاريع استثمارية هائلة له شخصيا، لم يتجه إلى تأسيس بنية اقتصادية محلية يطوّر فيها الانتاج الزراعي لشعبه، وينظّم فيها الانتاج الزراعي لشعبه، ويدعم المزارعين وينظّم عملية الاستيراد، وينظّم عملية التسويق وينظّم كل هذه العمليات، وللأسف الشديد لا يدرك الكثير من أبناء أمتنا وشعوبنا لا يدركون أن الاهتمام بهذا الجانب بشكل صحيح سيفيد حتى في العائد المادي، أحياناً هاجس الربح وهاجس الحصول على المال يؤدي إلى تصرفات خطيرة تضر حتى بالاقتصاد، في الأخير تضر حتى بالعائد المالي.
عندما يتسرّع المزارع ويستعجل إلى الحصاد للثمار أو للفواكه قبل أن تنضج قبل أن تصلح قبل أن تتم، وهو مستعجل يريد الحصول على المال فيذهب لجني الفاكهة قبل نضجها وقبل تمام صلاحها وأثناء عملية القطاف وجني الفواكه يعتمد على عمال عشوائيين يجنون بشكل عشوائي ويرجمون، يعني أحيانا في بعض المزارع يأتي يعملك لك طربال في وسط المزرعة وعملية الجني تكون للثمار والفواكه بشكل غريب جدا، يقتطفونها ويرجمون بها، هكذا تتضرر هي، وتكون قريبة من الفساد، وأكثرها تكون غير صالحة لم تطب بعد لم تنضج بعد، وهكذا، تصرفات عبثية ويذهب بها إلى السوق، في الأسواق قد يشتري الناس في واقعنا نحن المحلي الكثير من هذا – وإن كنت غير صالحة وإن كانت لم تنضج بعد وإن كانت – والبعض قد لا يشترن ويصبح هناك مشكلة في التسويق لها حتى خارج البلد، وهي قريبة من التلف، يعني لم يرتبط الناس في أعمالهم بطرق منظمة بطرق سليمة بطرق صحيحة وأن يركزوا على الأمانة، وأن يركزوا على الجودة وأن يركزوا على حسن الانتاج وأن يركزوا على السلامة من الغش، وأن يركزوا على أشياء مهمة جدا، مهمة لهم حتى في العائد المالي، لكي يربحوا أكثر في المستقبل لكي يمكن تصدير هذه المنتجات حتى خارج البلد عندما يتوفر الاحتياج الكافي للناس في البلد، عشوائية وتصرف عشوائي وضعف إدارة من مؤسسات الدولة، نأمل إن شاء الله عندنا في اليمن أن تهتم وزارة الزراعة أكثر فأكثر مع المزارعين لتنظيم أعمالهم الزراعية وترشيد تصرفاتهم ومساعدتهم حتى بالرؤية وحتى بالفكرة وحتى بالتنظيم وحتى في التسويق وحتى في كل هذه الإجراءات، والمزارعون بحاجة إلى أن يكون عندهم اهتمام كذلك، وحرص على ذلك وإدراك لقيمة ذلك وأهمية ذلك حتى في الحصول على المال، حتى في الحصول على المال، أوليس المال هو الموضوع المهم والرئيسي في رأس كل مزارع.
أيضا التركيز على أشياء مهمة جدا في العملية الزراعية، مثلاً القمح، انتاج القمح والعناية بزراعة القمح، يفترض أن تكون مسألة مهمة جدا عند المزارعين عند الدولة في الوعي العام، لأنها مسالة استراتيجية وأساسية، وكثير من البلدان هي تحرص ان تمتلك الاكتفاء الذاتي فيها وأن لا تكون تلك الأشياء الأساسية مستوردة من الخارج، في ظل ما تواجهه أمتنا من أخطار، من أعداء سيئين ومجرمين جدا، لدرجة أنهم لا يتحرجون أن يُضايقوا هذا الشعب أو ذاك البلد في معيشته في لقمة عيشه، كذلك كثير من المنتجات، التجار كذلك عليهم أن يتقوا الله، وأن يتوجهوا إلى شراء المنتجات المحلية وتسويقها في الداخل والخارج، البعض من التجار اهتماماته المادية تطغى على كل شيء، مع أنه بالإمكان أن يستفيد الإنسان ويفيد، بإمكان التاجر أن يحصل على مكاسب مادية جيدة، وبإمكانه أن يكون له دخل كبير وأرباح كبيرة، ويشجع الانتاج المحلي ويحرص على العناية بالإنتاج المحلي ولا يتجه كل اهتمامه أن يأتي بمنتجات من خارج البلاد حتى لما هو متوفر، في ضرب ما هو متوفر في البلاد، مثلاً يذهب لشراء ما هو موجود أصلاً في البلد، والبعض قد يشتري حتى الفواكه التي هي في وقت موسمها في البلد، فيضرب المنتج المحلي، يأتي إلى السوق ببضاعة وكميات كبيرة ويعاني المزارعون في البلاد أن منتجاتهم ليست، يعني لم تحظى بما حظي به المنتج الأجنبي من إجراءات وعملية توضيب وعملية تغليف وهكذا، عملية تحسين، فيأتي هذا التاجر بالبضاعة من الخارج ويؤثر على المزارعين المحليين، يؤثر على مزارع المزارعين للفواكه، المسوّقين لها، وحتى بقية المنتجات الأخرى.
مثل هؤلاء التجار بحاجة إلى أن يتقوا الله وبحاجة إلى أن تضبط الدولة عمليتهم التجارية، بحيث تكون متوازنة، يأتي بما يغطي النقص في البلد، وتبقى الأولوية لدى الناس جميعا، حتى المستهلك حتى المشتري، تبقى الأولوية للمنتج المحلي، ويحظى المنتج المحلي بالاهتمام، بتحسينه، كذلك بالطرق الصحيحة للإنتاج التي توصله إلى المستهلك بشكل صحيح وبشكل جيد، هذه الأمور مهمة جدا، هي أمور مهمة دينياً، دينياً، نحن بحاجة لأن نكون أمة قوية في مواجهة التحديات والأخطار، وأن ننهض اقتصاديا.
القوة الاقتصادية اليوم أساسية حتى لنكون أقوياء ومتماسكين في مواجهة التحديات، لكن يلزم لها وعي ويلزم لها سياسات، ويلزم لها برامج ويلزم لها إجراءات ويلزم لها ضبط من جانب الدولة وإدارة، إدارة للوضع من جانب الدولة، فهذا الموضوع هو مهم جدا، يقول الله جل شأنه أيضاً في توجيهات مهمة في التصرفات المالية والمادية {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} [الإسراء : 29-30]. عندما أتى التحذير من التبذير، وتحذير شديد جداً { إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ}، البعض قد يستغل هذا النهي للتقتير، يعني للبخل، للإمساك، لا، ليس المطلوب أن يكون الإنسان مبذرا ولا أيضا بخيلا، أن يصل في إمساكه إلى درجة البخل ( وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ)، وكأنك مقيد، مقيد اليد إلى الرقبة، لا تستطيع التصرف، لا تمد يدك بالخير.
البخل صفة مذمومة جداً ومتنافية مع الإيمان، المؤمن غير بخيل، هذا أولاً، ومنشأ البخل هو ضعف الثقة بالله سبحانه وتعالى، البخيل غير واثق من الله بالخُلفْ، الله يقول {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الإسراء :39]، البخيل يعيش أزمة الثقة بالله ويعيش حالة سوء الظن بالله، يسيء ظنه بالله سبحانه وتعالى، وليس عنده أمل في أن يعوّضه الله وأن يخلف عليه وأن يبارك له، حتى الوعود في القرآن الكريم، الوعود على الإنفاق، الوعود في مقابل الصدقة، الوعود في مقابل الإنفاق في سبيل الله، الوعود في مقابل فعل الخير، كل هذه الوعود لا يثق بها البخيل، لم يصدِّق وعد الله سبحانه وتعالى، فعنده مشكلة في إيمانه وأزمة في ثقته بالله سبحانه وتعالى.
أيضا على المستوى النفسي، دنيء النفس، البخيل دنيء النفس، ولهذا هو لا يمتلك الكرامة النفسية التي تؤهله للعطاء، وللتعاطف مع الآخرين، وللاهتمام بالقضايا المهمة، العطاء على المستوى الإنساني للفقير والمحتاج والبائس، وعلى مستوى القضايا المهمة للأمة، القضايا التي ترتبط بها مسؤوليات مهمة كالإنفاق في سبيل الله، دفاعا عن الأمة في مواجهة أعدائها، فالبخيل لديه كل هذه المشاكل الأخلاقية والإنسانية والنفسية.
والبخلْ ورد عليه وعيدٌ شديدٌ في القرآن الكريم وذمٌ كبيرٌ للذين يبخلون في سورة الحديد، في سورة آل عمران، في سورة النساء، في سور متعددة، وآيات كثيرة من ضمنها قول الله سبحانه وتعالى {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ ۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران:180]، ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم، لا يفرحون بذلك، وفي حسبانهم وتقديرهم أن هذا هو خيرٌ لهم، يرى أنه يجمع المبالغ المالية، ويرى أنه بما يتوهم هو يحافظ على ممتلكاته تلك لا يخرج منها شيئا، ويتصور أن في ذلك الخير له، لا، بل هو شرٌ لهم سَيُطَوَّقُونَ ما بخلوا به يوم القيامة، ذلك الذي بخلت به لم تخرج منه الزكاة، بخلت به لم تنفق منه في سبيل الله، بخلت به لم تنفق منه صدقةً للفقراء والمساكين، لم تصلْ به الأرحام، لم تؤدي ما أمرك الله أن تؤديه ستطوّق به، سيكون عذاباً عليك يوم القيامة، فأنت تجمع لك العذاب.
البخيل يجمع لنفسه العذاب، وما بخل به على مستوى الزكاة أو على مستوى الإنفاق في سبيل الله، أو على مستوى الصدقات للمحتاجين والبائسين، سيمثّل مشكلة له يوم القيامة، هذه قضية خطيرة على الإنسان، إذا كان يجمع لنفسه عذابا، وأنه سيكون طوقاً يُعذَب، يلتف حول عنقه يوم القيامة وعذاباً عليه سواء بالمعنى المجازي أو المعنى الحقيقي، القضية خطيرة على الإنسان، المحصلّة أنه عذاب، أنه سيكون عذاباً عليه، قضية خطيرة وفي الحديث فيما معناه عن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) “البخل شجرةٌ في النار أغصانها في الدنيا من أخذ بغصنٍ منها ساقه أو قاده ذلك الغصن إلى النار”، فالبخل كفيلٌ بأن يوصلك إلى جهنم.
البخل مركبة أسرع من المركبة الفضائية توصلك إلى جهنم والعياذ بالله، قضية خطيرة جدا، فليس المطلوب أن تكون بخيلا، لا، هذا مذمومٌ جداً أن يكون الإنسان بخيلا، لا ينفق ، قد يكون الإنسان حتى بخيلا على مستوى الحقوق، مثل الزكاة، مثل الإنفاق في سبيل الله، الالتزامات المالية الأخرى، وقد يكون البعض أيضا بخيلا على نفسه وعلى أسرته، يُقتّر عليهم بشكل زائد حتى تصاب بعض الأسر بسوء التغذية والأب قادر على أن يوفر بالقدر الممكن بالقدر المتاح، ولكنه بخيل بشكل زائد، عرفنا حتى في حياتنا البعض من الناس الذين يعيشون هذه الطبيعة، فترى أولاده بملابسهم الممزقة والمرقعة، يجلس الواحد منهم يمتلك ثوباً واحدا لسنوات، والأب ثري لديه دخل جيد، وتراهم يعيشون حالة البؤس والحرمان في كل حياتهم، وهو هناك مشغول يجمّع الفلوس، ويجمع المزيد والمزيد ولا يلتفت إليهم.
{وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا } [الإسراء :29] كذلك ليس المقصود في مقابل أن لا تكون بخيلاً أن يكون عطائك بدون حدود ولا قيود تنفق كل ما معك وتعطي كل ما معك ولا تُبقي لك شيئاً، وهكذا لا يكون عندك ضوابط لهذا الإنفاق ولا نظام لهذا الإنفاق ولا تقدير لهذا الإنفاق، هذا غير مطلوب، وغير صحيح على مستوى النفقات الشخصية وعلى مستوى النفقات في المجالات الأخرى، المجالات الاخرى، حتى على مستوى الصدقة وعلى مستوى الإنفاق في سبيل الله ليس المطلوب من الإنسان ان ينفق كل ما يمتلكه، لا يبقي لنفسه لا قليلا ولا كثيراً، الإسلام كما قلنا يربينا أن نكون أمة لديها قوة اقتصادية، أمة منتجة، أمة منتجة، قد تستطيع أن تبقى منتجاً ومستمر العطاء أن يكون عطاؤك مستمراً، لكن إذا قدمت كل ما تملك تقعد بدون شيء، تقعد لا تستطيع حتى أن تنفق مستقبلاً، أكملت ما لديك وقدمت كل ما معك، لكن عندما تحافظ على قدرتك الاقتصادية، الإنتاجية، تستطيع حتى أن تستمر في المستقبل في الإنفاق، هذه مسألة مهمة جداً بالنسبة لنا كمسلمين بالنسبة لنا كشعب يمني بالنسبة لنا كأمة، أن نحرص على أن نكتسب الوعي القرآني، أن نفهم كيف يُريد الله منّا أن نكون في هذه المسائل المهمة جداً، في هذا الزمن القوة الاقتصادية مهمة جداً، لاحظوا في بلداننا دول باستطاعتها مثلاً السعودية تستطيع أن تكون أكبر من الصين أغنى من الصين أقوى اقتصادياً من الصين، وأين هي وأين الصين؟ الصين نهضت نهضة كبيرة جداً ولا يمتلك الصين ما تمتلكه السعودية من قدرات وإمكانات تساعده على المستوى النهوض الاقتصادي، لا يمتلك الثروة النفطية الهائلة التي يمتلكها النظام السعودي، لكن أنت أمام نظام يذهب أمراؤه إلى أي دولة اوربية أو غيرها للنزهة ويبذرون بمئات أحياناً مئات ملايين الدولارات وأحيانا عشرات ملايين الدولارات في التبذير والعبث والإنفاق الشخصي والاستهلاك البذخ جداً، ثم يقدمون مئات المليارات لأعداء الأمة ويكتفون بأن يكون لهم في بلدانهم مباني، مباني ضخمة وأسواق، لكن أن يكونوا أمة منتجة كما الصين كما اليابان أين هم من ذلك، أين هم من ذلك، وهكذا الإمارات سوق ومباني لكن أن يكونوا منتجة كما الصين كما اليابان أين هم من ذلك، هناك بلدان إسلامية لا بأس، يعني دخلت عالم الإنتاج عالم النهضة الاقتصادية كماليزيا مثلاً، كسنغافورة، ولها تجربة، ماليزيا لها تجربة كيف نهضت لربما لو نأتي لنقيّم أي البلدان تمتلك قدرات إمكانات، ظروف اقتصادية من حيث مثلاً الثروة النفطية الثروة الغازية الثروة الزراعية الإمكانات هذه البنية التي تلزم لها يعني، نحن عن ماليزيا قد نجد عندنا فرص أكبر وإمكانات تساعدنا لو نستفيد منها أكثر، ولكن المشكلة مشكلة إدارة، مشكلة سياسة، مشكلة وعي عام، مشكلة تعليم، مشكلات كبيرة جداً نحن بحاجة إلى أن نقتنع بضرورة التغيير، أن نقتنع بضرورة التغيير، وأن لا نكون حساسين تجاه مسألة التغيير، التعليم بحاجة، بحاجة الى تطوير التعليم غير مجدٍ، إقبال الشباب الى المعاهد المهنية ضعيف، النظرة العامة توجه نحو التوظيف الإداري، شعب بأكمله يريد شبابه وأجياله أن يكونوا في المكاتب إداريين، يرى أنه من التخلف أن يكون عاملاً في مزرعة أو في متجر، أو في مصنع أو في مقاولات، الأكثر يرى أن النظرة الحضارية والتطور أن يكون على كرسي خلف طاولة في مكتب، أو بالكاد مدرس في مدرسة وهذه نظرة ساذجة وغبية، لا يمكن أن تنهض أمة تركيز على أن نكون موظفين حكوميين جميعا، لكي نحصل على مرتبات بدون عناء ولا تعب ولا عمل، هذه نظرة غبية جداً، نظرة غبية جدا.
قبل فترة سمعنا خبراً عن سويسرا، هذا الخبر مفاده أن الحكومة عرضت فكرة أن تعتمد مرتبات لكل مواطن، لكل مواطن، فـاحتجّ الشعب ورفض هذه الفكرة نهائيا، ماذا لو تطرح هذه الفكرة عندنا مثلاً في اليمن أو في أي شعب عربي ما رأيكم في أن يعتمد مرتبات لكل مواطن، سيقول الجميع هذا المطلوب، لكي نتخلى عن كل الأعمال، لكي نقعد عن كل الأنشطة والمهام والأعمال، المزارع سيقول هذا جيد لكي أترك الزراعة، والتاجر يقول إذا كان هذا مضموناً أكيد يعني ما عد به لزوم وصاحب المصنع، والكل، أولئك شعب واعي، قالوا لأ ، نحن إذا اعتمدنا على المرتبات معناه أن نترك العمل، أن نترك الزراعة أن نترك الصناعة وأن نترك التجارة وأن نجلس في البيوت وأن نضيع في الحياة، رفضوا أن يعتمد لكل مواطن مرتب، لانهم يعون أن الشي الصحيح أن نكون أمة تنهض.
التفكير لدى كل واحد، حتى هذا أثّر على عمل الدولة وعمل المؤسسات الحكومية لأن الكثير يرى في الوظيفة الحكومية أنها ليست سوى مصدر دخل، وعندما حصلت مشكلة المرتبات وقع الفأس على الرأس، كانت كارثة، لماذا؟ لأن الكثير كان ينظر إلى الوظيفة الحكومية أنها مصدر دخل للفلوس فقط، للحصول على مرتب يؤمن معيشته، هذه نظرة خطيرة جدا، سيئة للغاية، يُفترض أن يكون اهتمام بالتعليم أيضا إقبال إلى المعاهد المهنية والفنية، وفي نفس الوقت يكون هناك تطوير المعاهد هذه ولبرامجها ولمناهجها، حتى تكون مخرجاتها مواكبة، التعليم عتيق وقديم وبالي، ومخرجاته غير مفيدة، الزمن يتطور، المراحل هذه مراحل قد تطور البشر فيها بكثير، وبحاجة إلى تطوير كل شيء.
فلابد من تفهّم عملية التغيير والتوجّه فعليا نحو التغير، ويبدأ التغيير في الأنفس في الفكرة وفي النظرة وفي الاهتمام النفسي، وفي التوجه النفسي وفي الإرادة، يبدأ التغيير هنا، الله جلَّ شأنه قال { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11] ما الذي ستغيره بنفسك، هل ستجري عمليات جراحية لانتزاع القلب والكلى وتبديل هذه المعدات؟!، التغيير للأفكار الخاطئة، التغيير للنظرات الخاطئة للمفاهيم الخاطئة والتغيير أيضا لطبيعة التوجهات وتصحيحها، هو امتلاك الإرادة الصحيحة، هذا التغيير الذي سيتغير على أساسه الواقع بكله، الواقع بكله، الحالة التي تعيش عليه الشعوب العربية حالة فضيعة جدا غير لائقة غير لائقة نهائيا لا على المستوى البشري، الآخرون بفطرتهم البشرية ارتقوا وتجاوزوا هذا الحالة،
ولا بحسب الدين الإسلامي، بحسب قيمه تعاليمه تشريعاته هي تشريعات راقية ترتقي بنا في واقع الحياة، تخرجنا من الحالة العبيثة والحالة الغبية، والحالة التي نعيش فيها حالة الاستهتار والضياع والعبث، المسالة مهمة جدا.
وهذا القرآن يقول لك حتى في فعل الخير ليس المطلوب أن تنفق كل ما تمتلكه وتبقى عاطلا لماذا؟ لان المطلوب أن تبقى منتجا أن تستطيع الاستمرارية في العطاء وهكذا نستفيد هذه الرؤية الصحيحة.
لا حظو الآن، يعني كل من أصبح لديه صديق أو صاحب موظف أو له نفوذ أو تأثير أو علاقات جيده يتوسط من خلاله يريد وظيفة، يريد وظيفة، وهذا يريد ان يوظف كل قبيلته وهذا يريد أن يوظف كل أصحابه لدرجة أننا قلنا لبعض الأخوة ونحن نمزح معه نحتاج إلى تغيير هيكلة الدولة يكون المجلس السياسي الأعلى يتسع لخمسمائة موظف، ومجلس الوزراء يتسع لـ 30 ألف موظف وزير مثلا أو أكثر، وأن تتحول كل مديريه في البلد إلى محافظه حتى توظف الكل محافظين ووزراء وهكذا وهذا حتى هو لا يكفي يعني.
التركيز على الوظيفة الحكومية كمصدر للدخل هذا كارثه، ويؤثر على البلاد في كل شيء، وكذلك التحرك العبثي في هذه الحياة بدون فهم صحيح لأهمية الجانب الاقتصادي، الاستهلاك غير المنضبط ولا المسؤول، الصرف الذي لا تحده ضوابط ولا قيود، كل هذه الأشياء ليست من الإسلام في شيء يا أهل الإسلام يا أبناء الإسلام {وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} سورة الإسراء- الآية (29).
تقعد خلاص محطّم ما عاد عندك قدرة تعطي، في الأخير تلام ماعاد عندك شيء لامتك أسرتك لامك الآخرون لماذا لا تنفق؟ لماذا لا تعطي؟ لماذا لا تتصرف؟ لماذا لا توفر؟ وأنت هناك متحسّر على المستوى النفسي حسرة، وعلى المستوى العملي في حالة من الضعف لا تقدر على العطاء والإنتاج ولا تقدر على أن تقدم شيئا، هذه الحالة مذمومة في القرآن {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} سورة الإسراء- الآية (30).
بمعنى أنه حتى الله وهو الغني الحميد وهو الذي بيده خزائن السماوات والأرض يتعامل مع عباده ويبسط الرزق لمن يشاء، وفق الحكمة ويقدر، يعني كل الأمور بقدر بشكل منظم، بشكل محدد، لا يعطي عبثاً ولا يتصرف بدون قيود ولا ضوابط ولا اعتبارات معينه بميزان الحكمة الإلهية وبميزان خبرته بعباده وبصره بهم {إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا}.
فلاحظوا إذا حصل وعي عام يكون هناك تفهم حتى في مجالات الأعمال الهامه مثلاً اليوم المنتسبين لوزارة الدفاع أو المنتسبين في الأعمال الأمنية أو في المسؤوليات الحكومية أو المسؤوليات العامة، والذين قد يحضون بالاهتمام بهم، حتى في الجبهات الآن في ظل ظروف الحرب، يحظى بالاهتمام به والتمويل لاحتياجاته بحكم ما هو فيه يعني كمنتسب للدفاع أو في جبهة أو غير ذلك، الجميع يجب أن نمتلك هذا الوعي حتى نتفهم أهمية أن تكون الأمور منظمة ومضبوطة وأن لا تكون عشوائية وأن لا تكون بحسب هوى النفس والرغبات والطموحات، الطموحات كبيرة، الإنسان في كثير من الحالات كثير من الناس يعيشون حالة الطمع، و الرغبات لا حدود لها عند الإنسان يرغب في هذا وهذا وهذا، وإذا كانت لا تهمه إلا رغباته فهذه كارثة، وهذا يحصل للبعض، مثلا البعض لديه مطالب كثيرة و يريد يريد أشياء كثيرة جدا، حتى في هذا الظرف الصعب جدا يريد حياة مرفهة للغاية، يريد أن يحصل على مبالغ هائلة لأنه يعمل لصالح جبهة أو يدعم جبهة أو يحشّد أو يعمل شيئا من هذا أو أنه في العمل العسكري نفسه، هو لا يفكر بطبيعة الظروف التي يعيشها الآخرون ولا حتى بطبيعة الأولويات، أن التوفير سيساعد على الاهتمام بأشياء مهمة للصناعات الحربية، إذا كنا نعاني مثلاً ومطلوب منا أن نوفر لهذا وذاك وذاك وذاك، والمشرف الفلاني والقائد الفلاني والعسكري الفلاني والمحشّد الفلاني والضابط الفلاني، القات بأغلى الأسعار حتى لا يتأثر ويضبح ويغادر الجبهة، أو يهمل عمله أو يفرّط فيه، طيب ما الذي يبقى لنا لنوفر للصناعات الحربية؟ للصاروخية؟ قد نستفيد مثلاً من اقتصاد كذا كذا من المشرفين، أو من الضباط أو من العسكريين، أو من المشائخ، أو من أولئك القوّاد، أو من تلك الشخصيات، قد نستفيد من فارق القيمة إذا اقتصدوا في القات لصالح من؟ الصاروخية، لصالح الطائرات المسيرة، ونحن في مواجهه عدو هو يرتكب يوميا مجازر وجرائم، قد نستفيد حتى لتطوير قدرات عسكريه أخرى وصناعات حربيه أخرى، قد نستفيد من ذلك للعناية بالجرحى، قد نستفيد من ذلك للعناية بأسر الشهداء قد نستفيد من ذلك لرعاية مرابطين لهم أسر فقيرة جدا.
التفكير الاقتصادي يجب أن يكون تفكيرا عاما، الأنانيون الذين لا يفكرون إلا بأنفسهم ومحيطهم إما في محيطه الأسري هو وأسرته وطز في الباقين، يموتوا، أو هو وأصدقاؤه أو هو وأصحابه أو هو وشلّته، الأنانيون هؤلاء هم داءٌ وبلاء لكل الأمم والشعوب ولأنفسهم، بلاء، بلاء، وهم بعيدون في هذه الحالة وفي هذا التفكير عن منهج القرآن، عن الإسلام عن مبادئه عن قيمه عن تشريعاته، ولهذا كل إنسان أناني لا يفكر إلا بأن يكون مترفا يخزّن بأغلى الأسعار ويريد أن تكون هذه الحالة يومية لماذا؟ لأنه في عمل، هكذا يقول، أنا في عمل أو أنا عسكري، أو أنا يشعر أن له المنّة على الله وعلى عباده أو أنا أمني، أو أنا مشرف، أو أنا شيخ، أو أنا مسؤول، أو أنا كذا أو أنا سياسي أو بأي صفة كان.
مواقع المسؤولية لا تعني أن يتجه الإنسان بتفكير الترف والبذخ، هذا تفكير غير مسؤول ولا رشيد ولا أخلاقي ولا إنساني، وبالذات في ظل الظروف التي نعيشها كشعب فيه الكثير من الجائعين من المعانين فأنت تحرص على أن يتوفر لك يوميا أغلى قات في البلد ولا تفكر في أن هناك أسر قد تبيت جائعة، قد لا يتوفر لها الخبز، فأنت إنسان لم يعد فيك ذرة من الإنسانية، إذا كنت تعتبر نفسك لأنك مشرف أو عسكري، أو أمني، أو شيخ، أو حضرتك فلأنا، أو فلان، تريد أن تحصل على الرفاهية المطلقة في احتياجاتك، في مصاريفك، في كل شؤونك، ولا تفكّر بالآخرين، فأنت قد تجردت من الشعور الإنساني، أنت وحش، لم تعد حتى إنسانا طبيعيا تمتلك المشاعر الإنسانية، وكذلك إذا غاب عنك الاهتمام بالأولويات الكبيرة للناس، صناعات حربية، أشياء مهمة، قضايا كبيرة، فأنت عابث، ومستهتر، طائش، الإنسان الذي يعيش هذه الحالة من الترف والبذخ والأنانية هو إنسان غير رشيد، إنسان يعني حتى قد يتفوق عليه بعض الأطفال في رشدهم، ليس بمستوى المسؤولية أبداً {وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} فنحرص على كيف نحمل حس التوفير وحس الاقتصاد والانضباط والتصرف المسؤول في الأشياء المادية والإمكانات والتعامل مع النعم الإلهية بشكل صحيح حتى نكون من الشاكرين.
نكتفي بهذا المقدار، ونسألُ اللهَ سبحانه وتعالى أن يُوفقَنا وإياكم لما يُرضيهِ عنّا، وأن يرحمَ شهدائَنا الأبرارَ، وأن يشفيَ جَرحانا، وأن يُفرِّج عن أسْرَانا، إنه سميعُ الدعاء، وأن ينصرَنا بنصرِه، وأن يخذل أعداءنا إنه سميعُ الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه