ماذا تريد السعودية من إعلان إعدام 37 سعودياً جلّهم من المعارضة؟
مقالات | 24 ابريل | مأرب برس :
أقدمت السعودية على تنفيذ إعدام جماعي يوم أمس الثلاثاء في عدة محافظات من السعودية بحق مواطنين سعوديين حمّلتهم تهماً مختلفة منها “الإرهاب” وإثارة الفوضى والتواصل مع جهات خارجية، إلا أن المعلومات المنتشرة حول هوية المعدومين تفيد بأن جلّهم من المعارضة ومعظمهم من أبناء المنطقة الشرقية في السعودية، حيث تم إعدام 32 شخصاً منهم على خلفية انتمائهم المذهبي.
السلطات السعودية لم تكشف أي معلومة عن ظروف المحاكمات ولا الأدلة التي حصلت عليها لإدانة بعض المتهمين، ولطالما أن الغموض يلفّ أسوار السعودية قد لا يكون حتى عدد الأشخاص الذين أعلنت السعودية عن إعدامهم صحيحاً وقد تخفي خلف هذه الإعدامات الكثير من الحقائق والتفاصيل التي لا تريد السعودية أن تخرج خارج أراضيها، ولاسيما أن السعودية تتعرّض لضغوط كبيرة بعد الجريمة التي نفّذتها جهات من السلطات السعودية بحق المواطن السعودي والصحفي جمال خاشقجي وأدّت لتقطيع جسده ووجّهت اتهامات مباشرة لولي العهد السعودي وأعلنت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية تورّطه في هذه الجريمة وكذلك فعلت العديد من الصحف الأمريكية والغربية.
إذن العدد أعلنته السعودية وعلينا تصديقه، كما علينا تصديق أن الذين أعدمتهم متورطون بأعمال إرهابية ويضرّون بأمن الدولة ومصالح السعودية، إلا أن منظمة العفو الدولية لم تصدّق ذريعة السعودية لإعدام 37 شخصاً سعوديّاً، ورأت أن “الإعدام الجماعي الذي نفّذته السعودية ما هو إلا مؤشر مروّع على أنه لا قيمة لحياة الإنسان لدى السلطات التي تستخدم عقوبة الإعدام، بشكل منتظم، كأداة سياسية لسحق المعارضة من الأقلية الشيعية في البلاد”.
وتُطبّق عقوبة الإعدام في السعودية بما يخالف أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان ومعاييره، وغالباً ما تُعقد محاكمات القضايا التي تصل عقوبتها إلى الإعدام سرّاً ونادراً ما يُسمح للمتهمين الاتصال بالمحامي.
قد يُدان الشخص دون أدلة وبالاعتماد حصرياً على “اعترافات” انتُزعت منه تحت التعذيب وغير ذلك من ضروب المعاملة السيئة أو عن طريق التحايل عليه وخداعه.
في حملتها القمعية المستمرة، وليس من قبيل الصدفة، تستهدف السلطات السعودية، ودون شعور بالخجل، هؤلاء المواطنين الذين يشكلون جزءاً لا يتجزّأ من المشهد الفكري والفني للمجتمع الناشط. فباستهداف السلطات لهم إنما ترسل رسالة إلى شعبها بأكمله مفادها أنه لن يكون هناك أي تسامح مع أي شكل من أشكال النقد، ناهيك عن التشكيك في الممارسات الاستبدادية للدولة.
أغلبية الذين أُعدموا هم من الشيعة الذين أدينوا بعد محاكمات زائفة انتهكت المعايير الدولية للمحاكمة العادلة التي اعتمدت على اعترافات انتُزعت تحت وطأة التعذيب.
ومن بينهم 11 رجلاً أدينوا بالتجسس لمصلحة إيران وحُكم عليهم بالإعدام بعد محاكمة جائرة للغاية، أدين ما لا يقل عن 14 آخرين أُعدموا بارتكاب جرائم عنيفة تتعلق بمشاركتهم في المظاهرات المناهضة للحكومة في المنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية في السعودية بين 2011 و 2012، تعرّضوا للتعذيب أو غيره من صنوف المعاملة السيئة أثناء استجوابهم من أجل انتزاع “اعترافات” منهم.
ومن بين الذين أُعدموا عبد الكريم الحواج – شاب شيعي قُبض عليه في سن السادسة عشرة وأدين بجرائم تتعلق بتورّطه في احتجاجات مناهضة للحكومة، وبموجب القانون الدولي يُحظر استخدام عقوبة الإعدام بحق الأشخاص الذين تقلّ أعمارهم عن 18 عاماً وقت ارتكاب الجريمة.
وأشارت منظمة العفو إلى أن السعودية من الدول الخمس الأولى في العالم التي تنفّذ عمليات إعدام، وقد نفّذت منذ بداية العام 104 إعدامات، مشددة على أنها تناهض عقوبة الإعدام “في جميع الأحوال دون استثناء، بغض النظر عن طبيعة الجريمة، أو صفات المذنب، أو الأسلوب الذي تستخدمه الدولة في إعدام السجين”.
يقول نشطاء الشبكات الاجتماعية ومستخدمو الإنترنت السعوديين، إن 32 من الذين أُعدموا هم من الشيعة من منطقة القطيف ورجال الدين وطلبة العلوم الدينية في منطقة الشرقية.
وقال رئيس المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان علي الدبيسي: “إن حملة الإعدامات اليوم هي الثانية في عهد الملك سلمان، مشيراً إلى أن الأغلبية العظمى للذين أعدموا هم شيعة”.
في الواقع ما تقوم به السعودية بحق المعارضة شرقي البلاد يعدّ انتهاكاً صارخاً لجميع القوانين الدولية، واستغلالها للهجوم الأخير على مركز للشرطة شمال العاصمة الرياض لتصفية المعارضة وجمعها مع الجماعات الإرهابية والتكفيرية ليس إلا أسلوباً رخيصاً للتخلص من كل من يخالفها الرأي ويطالب بحقوقه المشروعة.
إن سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه السعودية وتغاضيه عن جميع الجرائم التي يرتكبها آل سعود مقابل الحصول على دولاراتهم دفع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للمضي قدماً في استهداف كل من يقف في طريق مخططاته من معارضين ونشطاء ودعاة ورجال دين طالما أن الغطاء الغربي لا يزال موجوداً، ويمكن حالياً استغلال الفورة العالمية الجديدة في مجال “مكافحة الإرهاب” لتوجيه هذه التهمة لكل من يعارض سياسة واشنطن والرياض، وقد نجحت أمريكا في هذا المجال وتريد السعودية اقتباسه منها بعد أن مهّدت واشنطن بأن الإرهاب فيروس خطير ينهش جسد الشرق الأوسط وإذا بحثت عن مسببي هذا الفيروس لوجدت أمريكا هي من صنعه وهي من يقوّيه وهي تمنع استئصاله على اعتبار أنه الحجة الوحيدة لبقائها في الشرق الأوسط واستطاعت عبر ماكيناتها الإعلامية إيهام العالم أجمع بأنها تحارب الإرهاب إلا أنها لم تكن سوى تنشر الفوضى والفساد في المنطقة، وما تفعله الرياض حالياً يأتي في سياق السياسة الأمريكية التي توجّه اتهامات بالإرهاب لكل من يخالفها الرأي وبعد عقد من الزمن أو أكثر تقول إننا كنا مخطئين فإلى متى ستستمر هذه المسرحية؟.