حذاء ميسي وتقرير جنينة.. والمسكوت عنه في مصر
[مأرب برس|30/مارس/2016م| – مقال – حنان محمد السعيدي
من أكبر المشكلات التي نواجهها في مصر، والتي أراها معطلة لأي مسيرة ومجهضة لأي أمل في الإصلاح، أن المصريين على اختلاف مستوياتهم، لا يهتمون بالجريمة أو بالمخالفة أو بالمشكلة قدر اهتمامهم بمنْأماط اللثام عنها، دائمًا لا ينصبّ الاهتمام عمن هو الفاعل وما إذا كانت الجريمة أو المخالفة أو المشكلة حقيقية وحدثت بالفعل ومن هو الفاعل وظروف الفعل وإنما ينصب الاهتمام دائمًا على من هو الذي قال ومن الذي أفشى الأسرار.
ظهرت هذه المشكلة جلية هذا الأسبوع بسبب واقعتين، واقعة ثار فيها الشعب والإعلام على لاعب الكرة ليونيل ميسي، والذي أعتقد أنه يقوم بلفتة كريمة، بتقديم حذائه – وهو أكثر ما يعتز به لاعب كرة القدم – ليباع في مزاد علني لصالح فقراء مصر، فعلها من قبل كريستيانو رونالدو من أجل أطفال غزة، ولم تثر الحادثة هذا القدر من الجدل أو الشعور بالمهانة.
ويقدر مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء نسبة الفقراء في مصر بحوالي 40% من السكان، في الوقت الذي قدرهم فيه الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء بحوالي 50% من السكان، كما قدرت اليونيسف أعداد أطفال الشوارع بحوالي 2 مليون طفل، يعيشون بلا أي نوع من الرعاية وبلا مأوى ومعرضون لكل مخاطر الشارع المعروفة والتي أقلها أن يتم استغلالهم في التسول والتشكيلات العصابية والإستغلال الجنسي، ولا أفهم حقا أن لا تثير هذه الأوضاع المعروفة والمعتمدة والموثقة شعور المهانة في نفوس الناس بالقدر الذي اثارها فيهم تبرع ميسي بحذائه!
ولا أبالغ إذا قلت أن ميسي محظوظ بأنه ليس مصريًا ولا مقيمًا في مصر، فلو كان مصريًا لربما واجه مصير المعتقلة آية حجازي، الشابة التي تبنت عملًا إنسانيًا لرعاية أطفال الشوارع تحت عنوان “بلادي جزيرة للإنسانية” وشرعت بالفعل في تنفيذ مشروعها وحلمها في تأهيل وتدريب ورعاية أطفال الشوارع، بمشاركة زوجها محمد حسانين، واستعانا معًا بتكلفة زفافهما من أجل وضع حجر الأساس لمشروعهما الانساني، قبل أن يتم القاءهما في الحبس وإكالة التهم لهما ولمن آمنوا بمشروعهما الصغير، وجميعهم قيد الحبس الإحتياطي لما يقرب من عامين، وهو أيضًا ما لم يحرك مشاعر أصحاب نظرية “منْ قال؟” البائسة التي وفرت الغطاء لكل جريمة تتم في مصر.
القضية الثانية هي قضية المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات والذي “قال” هو الآخر أن حجم الفساد في مصر وصل إلى 600 مليار جنيه في السنوات القليلة الماضية، وهو قول نعيشه ونلمسه، ولا يختلف كثيرًا عن قول كاثرين آشتون، نائبة رئيس المفوضية الأوروبية، والتي قالت أن ثروات مصر تكفي لمساعدة ربع سكان اوروبا، وتصنع تسعين مليون مليونير- ويجب أن تشكر الله هي ايضًا لكونها ليست مصرية أو تعيش في مصر وإلا لعزلت من وظيفتها ونكل بها أيما تنكيل- وجنينة بصفته العامة ووظيفته الرقابية هو الأكثر إطلاعًا على حجم الفساد في البلاد، وأن يتم تفصيل قانون مخالف للدستور له، ويتم إقالته دون أي شفافية في التعامل مع ما جاء في تقريره، هو نموذج على كيفية سير الأمور في مصر، ونموذج آخر على مدى ما وصل إليه الحال في مسألة “منْ قال؟” وليس “منْ أجرم وفعل؟”
وعلى المستوى الشخصي واجهت كثيرًا مثل هذه المشكلة سواء في العمل أو على المستوى الشخصي، فسوق العمل في مصر قد تفعل فيه الواسطة والمحسوبية أفاعيل لا تخطر على قلب بشر، وعلى سبيل المثال،عملت مع طبيب وأستاذ جامعي كبير، وهو من انصار تشغيل أصحاب الثقة أولا حيث يتم الاعتماد عليهم في فرض الهيمنة ونقل أخبار زملائهم، وهو لا يهتم كثيرا بمؤهل أقاربه، فابن أخته الذي يحمل مؤهل من معهد تجاري، يعمل في مختبره الخاص كفني مختبر، إضافة إلى مجموعة من الاشخاص الغير مؤهلين، وإلى هنا ويمكن أن تقول أنه مختبره وله أن يوظف من يشاء فيه طالما هو يتحمل المسؤولية كاملة، ولكن ما قولك أن يتم توظيف هذا الشخص في مستشفى جامعي ويتم توظيفه إضافة إلى ذلك في وزارة المالية، فيجمع بين ثلاثة مرتبات ويوفر أغلب جهده لمعمل خاله، أي أن مثل هذا الشخص قد اعتدى على حق ثلاثة أشخاص مؤهلين في العمل لمجرد أن خاله لديه السلطة والنفوذ، فإذا ما تجرأت وتحدثت عن الأمر اغلقت في وجهك ابواب المعامل المماثلة بأمر من الطبيب المحترم، ولا تجد من يسمح لك بالعمل في مجالك.
لا يختلف الأمر كثيرا في اي مكان تذهب اليه، فاذا تجرأت على الحديث عن الواسطة واستغلال النفوذ وامتهان القوانين والدستور والعدالة وتكافؤ الفرص فأنت مطارد في لقمة عيشك وفي سمعتك، ولا تجد وسيلة لتدافع بها عن نفسك فهؤلاء أصواتهم ونفوذهم سيغلق في وجهك كل أفق، ولن يترك لك مساحة لتتنفس فيها، وبسبب أن هؤلاء احتلوا كل شبر في البلاد أصبح فسادهم قانونًا للبلاد.
ويصبح من تسبب في إفقار الشعب ليس هو المجرم، ولكن المجرم من يتبرع له أو يعمل على علاج مشكلاته، ومن يقوم بالتعذيب والقتل ليس بمجرم ولكن من يقول لا للتعذيب ويطالب بقوانين لمناهضته، ومن يفسد ويسرق المال العام ليس بمجرم ولكن من يقدم تقارير أو تصاريح إعلامية يتحدث فيها عن حجم الفساد، ومن يستغل نفوذه في تعيين غير الأكفاء وغير المؤهلين في وظائف لا يستحقونها ليس بمجرم وإنما المجرم من يطالب بالعدالة وتكافؤ الفرص.