مأزق العدوان والاحتلال في المحافظات الجنوبية
مقالات | 27 مارس | مأرب برس :
بقلم / أحمد الحبيشي
حصدت دول العدوان السعودي الاماراتي الأمريكي خيبات وهزائم استراتيجية خلال السنوات الثلاث الماضية بفضل صمود شعبنا اليمني والقوى الوطنية التي تقاوم العدوان دفاعاً عن السيادة والاستقلال.
لم يكن اسلوب قوى العدوان متجانساً في الاستعانة بالجماعات الارهابية في المحافظات الجنوبية المحتلة تحت مُسمّى (المقاومة الشعبية) ، فقد اتجهت الامارات الى التعامل مع الجماعات السلفية الجهادية ، فيما تعاملت السعودية مع (القاعدة وداعش وأنصار الشريعة) ، ما أدّى الى تغوّل هذه الجماعات في بعض المدن والمحافظات الرئيسية وخاصة عدن وحضرموت وأبين وتعز.
كان واضحا ان المستفيد الأكبر من العدوان على اليمن هو الجماعات الإرهابية ، ولم يُخفِ وزراء خارجية بعض الدول الكبرى وبعض وكالات الأنباء الغربية والصحف الأمريكية التعبير عن مشاعر القلق لانتشار وتنامي نفوذ الجماعات الارهابية تحت مظلة العمليات العسكرية للقوات السعودية والاماراتية المعتدية على اليمن.
كشف تحالف العدوان غير المقدّس على اليمن ، تناقضات الطبيعة البدوية التناحرية للمالك العائلية الوراثية التي أضفت عليها الثروة النفطية قبل 50 عاما بعض القشور الحداثية الشكلية والمظهرية التي تخفي تحتها ندوباَ من الثأرات البدوية القديمة والأطماع التوسعية ، تعود جذورها الى عهود الغزوات الداخلية بين قبائل وعشائر نجد وصحراء وسواحل الخليج ، بهدف السيطرة على المراعي ومصادر المياه وطرق القوافل التجارية ، قبل أن يأتي الإسلام ليدفع بهذه العشائر البدوية المتنازعة الى فضاء الفتوحات والغزوات الخارجية ، ثم عادت ًوبصورة حلزونية الى التنازع مجددا على ملكية الأراضي وقطع الطرق ونهب القوافل والمراكب التجارية ، بعد أفول عصر اقتصاد الخراج وظهور الاستعمار الذي أخضع ومشائخ العشائر البدوية لاتفاقيات الحماية ودفع الرواتب ، مقابل الطاعة والولاء والخضوع والتبعية للمتروبول الاستعماري.
لم يعُد خافيا على أحد، أن الحاكم الفعلي لإمارة (أبو ظبي) محمد بن زايد بنى منظومة من الأهداف السياسية والاقتصادية والعسكرية أثناء العدوان على المحافظات الجنوبية المحتلة ، لا علاقة لها بالأهداف المحددة في إعلانات “عاصفة الحزم” أو “إعادة الأمل” لاحقاً.
في هذا السياق كشفت العمليات العسكرية لقوى العدوان عدم تطابق المصالح الإماراتية مع الأهداف السعودية التي تريد ضمان حدودها الجنوبية ، واستعادة أطماعها التاريخية في مد شبكة أنابيب لنقل النفط من شرق ووسط المملكة السعودية والربع الخالي الى المحيط الهندي عبر محافظة حضرموت اليمنية.
كانت السواحل والموانئ والجزر اليمنية ، عقدةً لحكام أبو ظبي منذ عقود. كما أن تمدُّد النفوذ الإماراتي نحو الجنوب الشرقي، باتجاه الحدود العمانية تحديداً، ظل حلماً عتيقاً لآل نهيان الذين كانوا حتى منتصف القرن الثامن عشر جزءا لا يتجزأ من الامبراطورية البحرية العمانية التي امتد نفوذها من السواحل العربية على ضفاف الخليج الفارسي والمحيط الهندي ، الى ولاية زنجبار في شرق أفريقيا قبل أن يسيطر الاستعمار البريطاني على هذه السواحل في القرن السابع عشر.
تأسيساً على ذلك وفّر العدوان على اليمن فرصة غير مسبوقة ساعدت حكام إمارة (أبو ظبي) على الوصول الى حدود سلطنة عُمان وميناء صلالة وجزيرة سقطرى، والسيطرة الكاملة على كافة موانئ خليج عدن والبحر ألحمر والبحر العربي التي تنافس ميناءي دبي وأبوظبي ، باستثناء ميناء الحديدة الذي فشلت قوى العدوان في السيطرة العسكرية عليه!!
لا ريب في أن ميناء عدن يُعد من أكبر الموانئ الطبيعية في العالم، وقد تم تصنيفه في الخمسينيات من القرن الماضي كثاني ميناء في العالم لتزويد السفن بالوقود بعد ميناء نيويورك. ويقع ميناء عدن على الخط الملاحي الدولي رابطاً بين الشرق والغرب ، ولا تحتاج السفن فيه لأكثر من 4 أميال بحرية فقط لتغيير اتجاهها للوصول إلى محطة إرشاد الميناء.
ولأهمية هذا الميناء الاستراتيجي، يرى حكام الإمارات، أن ميناء عدن يشكل أبرز التهديدات والتحديات بحيث يمكن أن يقضي على الأهمية الاستراتيجية لمدينة دبي، ولهذا فقد سعت باكراً لتعطيل الميناء المطل على مضيق باب المندب غربي محافظة تعز اليمنية، بما يحمله من أهمية استراتيجية كممر للتجارة العالمية، ومن ثم السيطرة العسكرية والسياسية على مدينة عدن عبر تواجدها الميداني الذي أتاحه لها العدوان على اليمن ، واستكمال سيطرتها عبر حلفائها في بعض فصائل الحراك الجنوبي والحركات السلفية والجماعات الارهابية التي ارتضت لنفسها أن تتحول الى أدوات طيّعة في خدمة قوى الاحتلال.
مما له دلالة على ان الإمارات عززت قبضتها الأمنية عن طريق تشكيل ما يُسمى قوات الحزام الأمني والنخب العسكرية في شبوة وحضرموت والمهرة التي تتبعها مباشرة. وأوكلت مهمة إدارة “الحزام الأمني” و”النخب المناطقية” لفصائل سلفية وحراكية وإرهابية موالية لها.. ومن خلال هذا الحزام تتحكم قوات العدوان والاحتلال بالداخلين والخارجين إلى مدينة عدن، ويكون تعاملها مع المواطنين بالغالب وفقاً للهوية، إذ سُجِّلت مضايقات تعرض لها أبناء المحافظات الشمالية خصوصاً الوافدون بهدف السفر الى الخارج عبر مطار عدن لغرض العلاج ، ومنعهم من دخول عدن.
وباتت الإمارات، بالسيطرة على المضيق البحري، تتحكم في حركة السفن التجارية مع حلفائها الدوليين والإقليميين بما فيهم اسرائيل، ما مكّنها أيضاً من التوجه شمالاً نحو باب المندب وميناء المخا والسيطرة عليهما لاستكمال هدفها المتمثل بالسيطرة على الموانئ اليمنية في السواحل اليمنية الغربية التي تُطل على البحر الأحمر وعلى رأسها موانئ الحديدة والمخا ورأس عيسى والصليف وميدي.
وخلال دخول قواتها إلى سواحل المخا الاستراتيجية، عملت الإمارات على الاستعانة بقوات جنوبية حليفة لها في معركة المخا بقيادة وزير الدفاع الأسبق هيثم قاسم طاهر الذي عاد أخيراً لقيادة قوات جنوبية تعتبر جزءا من قوات الإمارات، على الرغم من أن سواحل المخا تتبع جغرافياً محافظة تعز اليمنية، وهو ما أثار المخاوف لدى الكثيرين من بروز الأطماع التوسعية للإمارات والتي تنفذها عبر حلفائها الرئيسيين المتمثلين بالحراك الجنوبي والجماعات السلفية والارهابية ، في إطار دورها الذي انحصر في العمليات العسكرية على المناطق الساحلية قبل ان تتدخل أخيراً في مأرب، وتمسك ملف تعز رسمياً.
وتسعى الإمارات اليوم للسيطرة على ميناء الحديدة في إطار معركة الساحل الغربي والتي أعلن عنها قبل عامين ، وهو الميناء الذي يسعى تحالف العدوان الى السيطرة عليه من خلال محاولة الالتفاف على اتفاق السويد بشأن إعادة الانتشار في الحديدة وموانئها ، وهو ما ترفضه بحزم القوى الوطنية المناهضة للعدوان.
لقد وجدت قوى العدوان والاحتلال في بعض القوى الجنوبية التي تضررت من حرب 1994م الظالمة غطاءً سياسيا وحاضنا محليا للعدوان والاحتلال ، مقابل مخصصات مالية لبعض القادة ورواتب شهرية لحراساتهم ، على نحو ما كان يتعامل به الاستعمار البريطاني مع عملائه المحليين الذين قضت عليهم ثورة 14 اكتوبر الخالدة.
وبتأثير التهافت على الارتماء في أحضان دول العدوان والاحتلال وداعميهم الدوليين ، تم توظيف شعارات المقاومة والتحرير التي رفعها عملاء الاحتلال للتنصل من التزامات دول الغزو والاحتلال تجاه الجنوب المحتل بموجب قواعد القانون الدولي التي تنظم الاحتلال.
النصوص والقواعد القانونية التي تُنظم الاحتلال
تعد النصوص والقواعد التي تنظم الاحتلال ، من المواضيع المهمة في القانون الدولي العام عموماً والقانون الدولي الإنساني خصوصاً ، وذلك بالنظر لخطورة وأهمية الموضوعات التي يعالجها ، ونظراً للمقاصد والأهداف التي ترمي أحكامه إلى تحقيقها.
لا تعني دراسة هذه القواعد الإقرار بمشروعية الاحتلال ، فهو وضع مؤقت غير مشروع بكل الأحوال ، بل ان هذه القواعد في القانون الدولي تم تشريعها لأجل حماية وحفظ حقوق الأفراد وممتلكاتهم ، عندما تكون تحت سيطرة سلطة محتلة ، وهذا هو الوضع الذي يحدد كون دولة ما تحت الاحتلال تعد حالة واقعية فعلية ، أي متى تتحقق شروط ميدانية على الأرض ، تتحقق حالة الاحتلال مهما أسبغت عليها الدولة القائمة بالاحتلال من أوصاف لها ، أو ما يمكن أن تناله من اعتراف ، وهي أوصاف فشلت السعودية حتى الآن في تمريرها عل المستوى الدولي !!
وتبدو أهمية دراسة التزامات السعودية والامارات تجاه مدينة عدن المحتلة والجنوب المحتل عموما ، بموجب القانون الدولي العام على النحو التالي :
1/ إن القواعد القانونية تتعلق من جهة بحقوق المدنيين تحت سلطة الاحتلال ، بمعنى الحقوق التي قررها القانون الدولي بشكل عام ، فضلاً عما أوردته الاتفاقيات الدولية والقواعد العرفية التي تحكم الاحتلال ، من أهمها الحق في الحياة والأمن والصحة والغذاء والحقوق المالية التي تتعلق بمرتبات الموظفين ومعاشات المتقاعدين وإعانات المصابين بالٱمراض المستعصية والمعاقين ، وصولا الى التعويضات القانونية المستحقة للبلد الذي وقع تحت سلطة دولة الاحتلال مقابل ما تعرض له من دمار للبنى التحتية وقتل وسفك دماء المدنيين من الرجال والنساء والأطفال ، في حالة الاحتلال الناتج عن حرب عدوانية ـــ تنتمي الى الجيل الثاني من الحروب ـــ على دولة حرّة مستقلة ذات سيادة .
2/ تحدد هذه القواعد من جهة أخرى ، كيفية تعامل سلطات الاحتلال مع السلطات الإدارية في البلد المحتل ، حيث قررت هذه القواعد و أجازت لسلطات الاحتلال أن تَمارس بعض الصلاحيات على أراضي البلد المحتل ، فلها الحق بممارسة بعض صلاحيات السلطة التشريعية لكن بأوضاع وشروط محددة ، ولها أيضا أن تمارس مهام السلطة التنفيذية وبعض الصلاحيات على السلطة القضائية وتمارس أعمالها ، وحددت قواعد الاحتلال لذلك شروطاً دقيقة ، كل هذه الصلاحيات يجب أن تمارس وفق أهداف محددة ، تتعلق بحماية وحفظ حقوق الأفراد وممتلكاتهم وممتلكات الدولة وأموالها وثرواتها.
3/ في حالة تعدد الدول القائمة بالاحتلال واختلاف جنسيات المحتلين سيؤدي إلى اختلاف الأنظمة القانونية التي تطبق عليهم ، وتأثير ذلك في الجرائم والمخالفات التي يرتكبونها أو ما يمكن أن يعد كذلك والمسؤولية المترتبة عن ذلك ، فضلا عن اختلاف الأوضاع الاجتماعية والثقافية وأثرها في سلوكهم مع السكان ، فالتصرفات التي قد تعد في دول ما اعتيادية وقد تعد في مجتمعات ودول أخرى انتهاكا لحرمة وخصوصية وضع اجتماعي أو ثقافي أو ديني معين ، مما يجب مراعاته بموجب القوانين العسكرية لتلك الدول.
4/ ون أساس التزام السكان في الأراضي المحتلة بأوامر وقرارات سلطات الاحتلال والموظفين العموميين الذي تقوم بتعيينهم ، هو أساس واقعي وليس قانونياً بحكم سلطة (الأمر الواقع) ، وعلى السكان طاعة هذه الأوامر حتى لا يتم تنفيذها من خلال القوة العسكرية ، حيث يميل المحتل بشكل عام للمغالاة بل والتعسف في ممارسة هذه الاختصاصات
5/ قد يظهر للوهلة الأولى من نصوص اتفاقيات جنيف أنها تتضمن إملاء واجب الطاعة على السكان في البلد، لكن وبنظرة دقيقة نكتشف أن القانون يملي حدود الطاعة التي يتوقعها من هؤلاء السكان ولا يمكن تفسيره إجباراً لغرض النيل منهم.
6/ وبالنظر إلى مصادر قواعد الاحتلال ، نجد أن بعضها يستمد أساسه من القواعد العرفية ، والبعض الآخر من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ، فضلا عن المصادر التي تضمنتها القواعد العامة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
7/ شهد مفهوم الاحتلال تطورا كبيرا في الوقت الحاضر لأسباب متعددة ، منها قدم القواعد التي تحكمه ، فقد مر على وضع قواعد لاهاي أكثر من مائة عام واتفاقيات جنيف أكثر من خمسين عاماً وقد استندت فكرة إعدادها إلى تجارب الحرب العالمية الثانية ، وما نتج عنها من معاناة جراء الحرب والاحتلال ، ولكن تطور وسائل الحرب الحديثة ، وظهور الأسلحة ذات القدرات المدمرة وما تلحقه من خسائر كبيرة وهائلة بالمدنيين والمنشآت المدنية ، وظهور دور للأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن حول الموضوع ، الأمر الذي فرض التزامات قانونية لا يجوز لقوى الاحتلال تجاوزها .
8/ هناك حاجة أيضا لملاحقة آثار الأضرار البيئية والإنسانية من جراء ارتكاب جرائم حرب وجرائم معادية للإنسانية واستخدام أسلحة متطورة ومحرمة دوليا ، فقد تظهر الكثير من الآثار بعد مدد زمنية وفي الأجيال القادمة ، مما يتطلب الاستعداد لذلك ربما منذ الآن ، وعلى وجه الخصوص في المناطق التي قصفتها طائرات العدوان السعودي الاماراتي بأسلحة محرمة دوليا ، مثل القنابل النيترونية والفراغية والفوسفورية والعنقودية والحرارية في محافظتي صعدة بأسرها ، وفي الأحياء السكنية المحيطة بنقم والنهدين وعطان بالعاصمة صنعاء ، وفي حي صالة ومدينة المخا والقرى المحيطة بميناء ذباب بمحافظة تعز ، وخور العميرة ورأس العارة في محافظة لحج ، وفي منطقة صيرة والعريش بمحافظة عدن بالإضافة الى بعض مدن واسواق محافظة الحديدة وصالات الأفراح والعزاء.!!
كتب السفير الأمريكي الأسبق في اليمن ونائب الرئيس التنفيذي لمعهد دول الخليج العربية في اشنطن ستيفن سيتش بحثاً نشره على موقع المعهد قال فيه إن السعودية التي نظمت التدخل العسكري في الحرب اليمنية لإعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي تجنبت حتى اللحظة مناقشة الاستراتيجية التي ينفذها الإماراتيون في الجنوب وطرح أسئلة حول تصرفاتها بشأن مستقبل دولة يمنية موحدة ودعم هادي.
ولفت إلى أنه وعلى الرغم من وضوح جدول أعمال الإمارات “الطموح” في الجنوب اليمني المحتل إلا أن الاختلافات بين الإمارات وحكومة هادي “المنفي” أصبحت تتزايد بل وبكثير من الفزع لدى هادي.
وقال السفير: إن محللا بارزا في الخليج قال إن الرياض لا تصر على خروج اليمن من الصراع الحالي كدولة موحدة ، ولكنها لا تملك رؤية بعد ان طالت الحرب وتغيّرت المعادلات وموازين القوى في كل الاتجاهات!!
وفي المقابل، يرى السفير أن هذا الحديث يتناقض مع وجهة نظر هادي في المسألة، وقام من جانبه بالرد على خصومه المحليين من خلال مراسيم أطاحت بعدد من المسؤولين المرتبطين بدولة الإمارات ، يما يظهر انزعاجه من تعاونهم الظاهري مع الامارات بشأن مسائل داخلية.
ويشير السفير إلى أن استثمارات الإمارات – وعلى الرغم من الأزمة مع هادي – تواصل جذب الانتباه في جنوب اليمن، لافتا إلى قيام الإمارات بإنشاء مهبط طائرات على جزيرة بريم وسط باب المندب الإستراتيجي والذي يمر من خلاله قرابة 4 ملايين برميل نفط يوميا.
ويقول السفير: إن القوات الخاصة الإماراتية أنشأت وجودا عسكريا عام 2015 في عدن ، ويبدو أن السعوديين وافقوا بالفعل على تحمل الجنوبيين لمسؤولية إدارة مناطقهم بالتنسيق مع الامارات.
وعلى صعيد استثمارات الإمارات في الجنوب المحتل ، قال السفير إن أبوظبي قامت بتشييد أبنية ممتدة في جميع الموانئ اليمنية الرئيسية من المكلا شرقا إلى المخا على ساحل البحر الأحمر لتسخير كافة الإمكانات الاقتصادية كجزء من عملية بناء امبراطورية بحرية أوسع نطاقا على المدى الطويل.
وبهذا الصدد أشار السفير الأميركي الأسبق إلى حماس الإمارات لهجوم برمائي على ميناء الحديدة الاستراتيجي لانتزاعه بأي وسيلة سلمية أو عسكرية حتى لو ظهر أنه غير مدرج ضمن أي عملية عسكرية وشيكة.
ويخلص السفير إلى أنه وعلى الرغم من استمرار الحرب وعدم ظهور ملامح واضحة في الأفق ، يبدو أن الإماراتيين مصممون على تحويل تركيزهم في اليمن من العمل التكتيكي قصيرالأجل ، إلى امبراطورية بحرية استراتيجية طويلة المدى.
يكشف عبدربه منصور في مقابلة مع صحيفة عكاظ عام 2016 جانبا من الخلافات الميدانية في أهداف كل من القوات الغازيّة السعودية والاماراتية على الأرض ، حيث يزعم بأن السعودية تمدّ قوات مرتزقته بما تحتاجه في عدن والجنوب ، بينما قدمّت له الامارات 150 مدرّعة تم توزيعها على بعض الألوية ، موضحا انه طلب من حكام الامارات الدخول في المعركة برّاً ، لكنهم رفضوا واكتفوا بالقصف الجوي ، على الرغم من أنه أبلغ الشيخ محمد بن زايد عندما قابله بأن المطلوب هو تدخل بري ، لا دعما بالطيران ، بحسب قوله !!
من نافل القول أن عبدربه منصور – يمارس بكل خفة – أكبر قدر من الكذب والمغالطات ، متناسياً ان الامارات تدخلت بريا في عدن ولحج وباب المندب وصافر وصحن الجن وجنوب وغرب وشرق تعز ، وحرصت على تقديم تغطية استعراضية تليفزيونية لهذه التدخلات بهدف تضخيم قدرات ذلك البلد الصغير الذي لا يزيد عدد مواطنيه الأصليين عن 19% من إجمالي سكان الامارات بموجب إحصاءات رسمية ودولية.
وبقدر ما حرصت الامارات على الاستعراضات التلفزيونية لتدخلها البري ، فقد كانت مضطرة لتقديم تغطيات استعراضية لتوابيت القتلى ومواكب الجرحى الذين تم دحرهم بواسطة القوة الصاروخية للجيش واللجان الشعبية في معارك بريّة عديدة انتهت بتدمير عشرات الآليات والمدرّعات وقتل وجرح المئات من ضباط وجنود جيش الامارات الذي لم يصمد أمام قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية ، رغم مراهناته على الاستقواء بآلاف الغارات الجوية غير المسبوقة في تاريخ الحروب الحديثة.
مما له دلالة أن هذا القرار ارتبط بإعلان قائمة بأسماء وصور قتلى الامارات في اليمن ومن بينهم كبار القادة والضباط ، وهي قائمة أدرك حكام الامارات جيدا ان قوائم لاحقة ستنضم اليها إذا أصروا على مواصلة المشاركة البرية في العدوان على اليمن وانتهاك سيادته واستقلاله ، وتدمير مقدراته وقتل وسفك دماء أبنائه وبناته من الرجال النساء والأطفال ، ولم يسلم من مشاركتهم في هذا العدوان الآثم الجبل والحجر والشجر والطير والسابلة.
لا شك في أن وسائل الاعلام في دولة الامارات حرصت على شحن سكان الامارات بمشاعر الكراهية ضد اليمن واليمنيين ، فيما ظهر الشيخ سلطان القاسمي أحد حكام الامارات وهو يتحدث عن ضرورة (الثأر لشهدائهم) !!
المضحك أن أحداً من تلك القوائم لم يسقط في ميادين الدفاع عن أراضي وجزر وسيادة دولة الامارات العربية المتحدة التي تقول ان إيران احتلتها في عهد الامبراطور محمد رضا بهلوي ، بل قُتلوا عندما كانوا يعتدون على سيادة وأراضي وجزر وموانئ اليمن.
كان ذلك أواخر شهر أغسطس 2015 الماضي قبل أن يرد عليهم أبطالنا الميامين في الميدان بموقعة (توشكا صافر) في الرابع من سيتمبر 2015 ، الذي دمّر أول دفعة من مقاتليهم وأعادها الى بلادهم في طائرات نقلت نعوش 105 من قتلاهم وطائرات إسعاف امتلأت بالمئات من جرحاهم .
بعدها بحوالي عشرة أيام ، تناولت وسائل إعلام العدوان على نطاق واسع خبرا كاذبا زعموا فيه ان قوات الإمارات والمرتزقة سيطرت على خولان ، وانها تتجه الى صنعاء بمسافة لا تزيد عن 40 كيلومترا ، ونشرت ماكنة الدعاية السوداء صورا مفبركة عبر القنوات الفضائية السعودية والخليجية ومواقع التواصل الاجتماعي.
من نافل القول أن معظم قيادات تنظيم “القاعدة” التي قتلتها طائرات الدرونر الأميركية بدون طيّار بعد سيطرة قوات التحالف السعودي ومرتزقته على الجنوب ، كانوا جزءاً أساسياً مما تسمى (وحدات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية والأحزمة الأمنية) المرتبطة بقوى العدوان والاحتلال ، بدءاً بجلال بلعيدي ومروراً بخالد عبدالنبي وخالد باطرفي ونبيل الذهب وناصر الوحيشي.
على صعيد متصل كانت دولة الامارات العربية توظف خلافاتها مع الإخوان المسلمين في حكومة (الفار هادي) للظهور في هيئة شرطي مكافحة الإرهاب في المحافظات الجنوبية المحتلة والمخترقة ، وتحويلها الى مربعات أمنية تخدم أهدافها وأطماعها الإقليمية البحرية ، الأمر الذي جعل من القضية الجنوبية مجرد ورقة في لعبة التجاذبات بين الأجندات الخارجية لقوى العدوان على اليمن ، وما يترتب على ذلك من انعكاس هذه التجاذبات على مكوّنات الحراك الجنوبي المسلح في شكل تناحرات مسلحة ذات طبيعة أمنية ، بعيداً عن أهدافها السياسية المعلنة والتي تم اختزالها في شعار (استعادة الدولة) و(إحياء مشروع الجنوب العربي) !!
في هذا السياق لا تخلو محافظات لحج وأبين وشبوة وحضرموت من تناحر المليشيات وتبادل الهجمات المسلحة والاعتقالات والاغتيالات والتهديدات المتبادلة ، مع الأخذ بعين الاعتبار وجود معتقلات سرية تديرها قوات الإمارات العربية الغازية ، ومعظم هذه التناحرات تتم في إطار التنافس بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة بن دغر وحزب الاصلاح على الفوز بوضع الفار هادي بعد ان برزت مؤشرات للتخلي عنه من قبل دول العدوان والاحتلال.
على تربة هذه التناحرات تقاسمت ميليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي والفار هادي مدينة عدن وحوّلتها الى ثكنات عسكرية ونقاط أمنية مسلحة ، كما حدث الشيء نفسه في محافظتي أبين ولحج حيث يتم تنفيذ حملة اعتقالات بالهوية ، فيما ترسل معسكرات موالية للفار هادي بتعزيزات مسنودة بمدرعات وأطقم الى عدد من المناطق التي تسيطر عليها.
ومما له دلالة أن ما يميِّز المواجهات المسلحة بين القوى الموالية للعدوان وأحزمتها الأمنية ، هو مشاركة تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية وتنظيم أنصار الشريعة في هذه المواجهات ، بالإضافة الى دخول التراشق الإعلامي على خط هذه المواجهات بين بن دغر وخالد بحاح.
ويضيف الباحث الأميركي بير ساليسبري: ان صبر المملكة العربية السعودية بدأ ينفد مع هادي الذي يستمد (شرعيته) كرئيس لليمن من استثماره السياسي لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 ، ولولا هذا الفرار الذي أصرّت على تمريره أميركا وبريطانيا والسعودية لن يكون له أي دور في الصراع على الإطلاق!!
والحال ان التوترات بين هادي والامارات تصاعدت منذ دخول القوات الاماراتية الخاصة مدينة عدن في أوائل عام 2015 حيث تمكنت مع المليشيات المحلية وبضمنها تنظيم القاعدة وتنظيم أنصار الشريعة وتنظيم الدولة (داعش) من إخضاع المدينة عسكريا لسيطرتها ، لكنها أصيبت بخيبة أمل بسبب عدم وجود اتصالات بين حكومة هادي والمليشيات في المدينة.
وتعود التوترات دائما الى اعتماد الفار هادي على شبكة من المليشيات المسلحة والوحدات العسكرية ذات الصلة بالاخوان المسلمين في حزب الاصلاح ، خصوصا منذ ان قام هادي بتعيين الجنرال علي محسن الأحمر نائبا له ، مما أثار غضب القادة في أبوظبي.
وقد تزامن هذا القرار مع استقالة محافظ تعز المعيّن من قبل هادي في اواخر سبتمبر 2017 احتجاجا على عدم دفع الرواتب ، فيما حالت الانقسامات والصراعات بين المليشيات الانفصالية والسلفيين وحزب الاصلاح دون تنسيق الرد على النجاحات التي حققتها قوات الجيش واللجان الشعبية في معظم مديريات تعز ، بالإضافة الى تردي الأوضاع في حضرموت بسبب تزايد ظاهرة الاختلالات الأمنية التي أصبحت جزءا من حروب السيطرة على طرق التهريب بين الوحدات العسكرية المتناحرة.
وفي الآونة الأخيرة راهن الفار هادي وأتباعه على استخدام الطابور الخامس في شق الصف الوطني وتفجير الجبهة الداخلية .. وقد بدأت هذه المراهنات بعد فشل مفاوضات الكويت الثانية واستهدفت فتح ثغرة في جدار الجبهة الداخلية ، تمهيدا لتمكين قوات علي محسن في نهم ومارب من الاستيلاء على العاصمة صنعاء ، لكن كثيراً من المسؤولين العسكريين في السعودية والامارات أدركوا صعوبة احتلال العاصمة صنعاء ، حيث اعترف هادي بأن رئاسته قصيرة الأجل وسوف تنتهي بمجرد توقيع اتفاق السلام.
في هذا السياق ارتفعت أصوات المنظمات الانسانية والحقوقية التي تقدم دعما لوجيستيا لتحالف العدوان السعودي على اليمن حيث أقرت الأمم المتحدة إدراج هذا التحالف في القائمة السوداء لقتلة الأطفال في اليمن ، فيما أصدر الكونجرس الأميركي قراراً بوقف الدعم الأميركي للحرب التي يشنها التحالف السعودي في اليمن ، تمهيدا لطلب من بعض نواب الكونجرس الديمقراطيين والجمهوريين لاستخدام قانون قوى الحرب الذي صدر عام 1975 أثناء حرب فيتنام ، لتقييد السلطة الرئاسية التي تشارك في حرب اليمن منذ 2015.
وأخيراً .. ثمّة ما يؤكد أن صفقات ضخمة يجري التباحث لعقدها بصورة سريّة في الغرف المغلقة بين السعودية والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا التي تورطت في هذه الحرب من خلال بيع أسلحة بمليارات الدولارات للسعودية والامارات كل عام منذ بدء العدوان على اليمن بما في ذلك القنابل العنقودية المحظورة دولياً.
وبحسب دراسة للباحث الاستراتيجي الأميركي (راندي نورد) في موقع (جيبوليتكال أليرتس) فإن الأمم المتحدة يمكن أن تطلق تصريحات زائفة بشأن التحقيقات، لكن ذلك لا ينفي حقيقة أن الولايات المتحدة الأميركية تشارك فعلا في الحرب على اليمن تحت يافطة دعم الأمن السعودي ومحاربة الإرهاب .. ومن السخرية أن تنظيم القاعدة وغيره من الارهابيين يحاربون مع قوات هادي المدعومة من السعودية، وقد سُمح للقاعدة بأن تزدهر وتتغوّل في اليمن لأن وجودها أداة هامة لتنفيذ الأجندات والأهداف الاستعمارية الجديدة.