كيف استطاع اليمنيون إيقاف الإندفاعة السعودية؟
مقالات | 24 مارس | مأرب برس :
بقلم / عبد الرحمن راجح
بعد اربع سنوات من العدوان السعودي على اليمن اليوم هناك سؤال مهم يطرحه الجميع وهو كيف استطاع اليمنيون الصمود بهذا الشكل؟
امضى العدوان السعودي الاماراتي ومن تحالف معهم ضد اليمن عامه الرابع وسيدخل يوم الثلاثاء الموافق 26 مارس عامه الخامس. عدواناً حضي بدعم أمريكي وغربي واسرائيلي غير مسبوق وتم فيه استخدام جميع الاسلحة التقليدية وغير التقليدية وحضي االعدوان بدعم سياسي وحقوقي وإعلامي هائل، لكن اليوم وبعد اربعة اعوام من العدوان والحصار المفروض على البلاد لا يختلف اثنان بأن اليمنيون صنعوا معجزة واستطاعوا ان يفشلوا هذه الحرب الكونية وان يدخلوا السعودية ومن معها في مستنقع كبير ابتلع اموالهم ورجالهم وشوه وجوههم داخلياً وخارجياً ونقل الحرب من داخل اليمن الى العمق السعودي والاماراتي. واصبح للحرب تداعياتها في قلب واشنطن وعواصم الدول الاوروبية.
ولكي ندرك هذه المعجزة التي صنعها اليمنيون فلابد لنا اولاً الإشارة الى الوضع الذي كانت اليمن تعيشه قبل العدوان والأهداف التي رسمتها السعودية لحربها. فالوضع الذي كانت تعيشه اليمن قبل العدوان بدون شك أغرى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي كان يتطلع لكرسي العرش في بلاده ويخوض صراع سياسي مع أبناء عمومته الى شن الحرب حيث اعتقد ان حربا لأسابيع سوف تمكنه من قبضة اليمن ويخرج منتصراً في حرب قصيرة يستطيع من خلالها الترويج لنفسه والظهور بمظهر البطل القومي السعودي داخل المملكة وخارجها وأنه الأجدر بحكم السعودية عن باقي أبناء عمومته.
فاليمن في تلك الفترة كانت تعيش إنهيار تام للدولة وموسساتها الحكومية وكان الجيش اليمني قد تلاشى وانتهى بسبب سياسة الفوضى التي نفذتها الرياض وواشنطن في اليمن في عهد الملك عبدالله خلال ما سُمّي بالمبادرة الخليجية.
الجماعات الارهابية التي صنعتها الفوضى كانت تسيطر على العديد من المناطق والاغتيالات السياسية والامنية لا تتوقف وبلغ عدد قتلى الاغتيالات المئات اكثرهم من افراد الجيش واساتذة الجامعات والشخصيات الوطنية التي كانت محسوبة على حركة انصارالله في ذلك الوقت كما لحق الأذى بالشعب والمواطنيين وتم استهداف المساجد في صنعاء والجوف وصعدة وراح ضحيتها المئات. كما ان العديد من المناطق كانت تشهد حروبا بصبغة قبلية حاولت السعودية إثارتها من أجل إضعاف حركة انصارالله الصاعدة وتحجيم تمددها في ذلك الوقت.
المشهد السياسي ايضا كان منهارا وملتبسا ومتأزما والاختلافات والصراعات بين القوى السياسية الحاكمة بعد ثورة فبراير عام الفين واحد عشر على اشدها ما شكل انهيار تام للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
وفي ظل الأوضاع الملتبسة والوضع المنهار ومع انتصار ثورة 21 سبتمبر الذي قادتها حركة انصارالله ومثلت طرف ثالث للازمة وما نتج عن تلك الأحداث من فرار الجنرال الاحمر ومن معه وماتلاها من تحولات سياسية وعسكرية أدت في نهاية المطاف الى استقالة هادي ثم فراره الى عدن، عجلت على ما يبدو بالتدخل السعودي الامريكي المباشر في اليمن حيث كانت الرياض وواشنطن تعتقد أن باستطاعتها من خلال التدخل العسكري المباشر حسم الوضع خلال اسابيع او أيام نظرا للإنقسامات والحالة الصعبة التي يعيشها اليمن وانهيار الجيش والقوى الامنية وكذلك التحاق العديد من القيادات السياسية والعسكرية والقبلية بالرياض
ومن هذا المنطلق اعتقدت الرياض ان الحرب لن تستغرق اسابيع او شهر واحد وانها بغاراتها الجوية والدقيقة التي تقودها وتشرف عليها واشنطن سوف تستطيع تحييد قوات انصارالله العسكرية ومن تبقى من الجيش ثم الضغط عليهم لتسليم صنعاء ومن ثم عودة هادي ومن معه من المسوولين والعسكريين الذين فروا الى الرياض الى صنعاء وعودة حكم السعودية على اليمن ولكن بشكل أقوى وأبرز عن ما كان سابقا.
وقد استندت السعودية في عدوانها على تحشيد طائفي وضخ اعلامي واكاذيب وشائعات روجت لها في امبراطوريتها الاعلامية بهدف إيجاد انشقاقات دينية وسياسية وشعبية في اليمن وصنعت المبررات الدينية والسياسية والقومية لهذه الحرب وعملت على شراء الذمم والمواقف السياسية للدول والافراد إبتداءاً من مجلس الامن والشخصيات السياسية والشركات حتى مشائخ القبائل والافراد داخل البلاد. وبدأت السعودية الحرب بضربات قوية وتدمير غير مسبوق وقتل المئات في مجازر لم تشهدها اليمن طيلة تاريخها في مسعى منها لادخال الرعب في قلوب اليمنيين والإستسلام في أسرع وقت. وتخلت السعودية عن أي إلتزام اخلاقي فاستهدفت الطرق والمصانع والمدارس والمساجد المستشفيات والمساكن وصالات الأعراس والاجتماعات وكل شيء يتحرك، كما فرضت حصارا مطبقا جوا وبحرا وارضا واسقطت مئات الآف من الصواريخ والقذائف ولم تترك سلاحاً إلا واستخدمته.
ومع اشتداد الحرب ودخولها أشهر وسنوات أدرك الجميع ان السعودية دخلت مستنقعا كبيرا في اليمن حيث واجه التصعيد السعودي المدعوم من اكثر من 22 بلدا ثبات وصمود اسطوري قل نظير واثبت عامل الوقت والزمان ان التصورات الاولية للحرب كانت خاطئة وحتى التوغل الذي حصلت عليه السعودية في الجنوب والمناطق الشرقية لم يكن انتصارا ذو اهمية كبيرة او عامل مهم في اخضاع اليمنيين وتسليمهم للسعودية بل ان حتى هذه المناطق اصبحت عاله كبيرة على السعودية من خلال الضخ المالي الذي تدفعه الرياض وابوظبي لشراء الولاءات وصناعة جيوش وجماعات أكبر عددا حتى من جيوشها الوطنية أضف الى ذلك الاختلافات والصراع بين هذه الجماعات.
ومع صمود اليمنيين وثباتهم وإمتصاصهم للضربات الأولى بدا الرد اليمني يثبت جدارته من خلال استنزاف الثور السعودي الهائج أولا وثانيا تطوير القدرات واستيعاب الحرب من خلال التصعيد في الحدود السعودية وتطورير القدرات العسكرية واستطاعت الصواريخ اليمنية ان تصل الى جميع المدن السعودية وان تستهدف قصر الملك ووزارت الدفاع كما تطورت القدرات لاحقا واستطاعت الطائرات المسيرة الوصول الى مطارات العدوان في الرياض وابوظبي.
اما في الجبهات الداخلية والحدود فقد صنع المقاتل اليمني الحافي معجزة لا يتصورها أحد وواجه الآلة العسكرية الأمريكية ودمر الدبابات والمدرعات بوسائل بسيطة وأستطاع ان يدحر الآف الجنود والمرتزقة الذين تم تجميعهم من مختلف أنحاء العالم وصمد بدون غطاء جوي امام مئات الالاف من الضربات العسكرية التي كانت تتجاوز المئتين غارة في ساعات محدودة على بعض الجبهات.
الشارع اليمني الذي عانى هو الاخر من أكبر ازمة إنسانية وتجويع ممنهج وانعدام لأبسط مقومات الحياة وانهيار تام للنظام الصحي والتعليمي أستطاع الصمود ودعم الجبهات بالمال والرجال وضرب مثلاً لا يتصوره الكثير في الباس والشدة والصبر والمثابرة والإصرار على هزيمة السعودية.
ومن خلال المعطيات يتضح جلياً ان الصمود والثبات اليمني استطاع إفشال العدوان و ادخاله في دوامه من التناقضات والازمات الداخلية والخارجية ويعد بقاء اليمن واستمرار الحرب لخمس سنوات في حد ذاته انتصاراً ساحقا للقوى اليمنية المناهضة للعدوان ، الذي كان يتوقع الكثير سقوطها خلال اسابيع او اشهر كما ان الاهداف السعودية المعلنة المتمثلة في اعادة اليمن كحضيرة خلفية وكذلك تدمير القدرات العسكرية والصاروخية لحركة انصارالله والجيش اليمني هي ايضا فشلت فشلا ذريعا وقد شاهدنا ان القدرات الصاروخية العسكرية تطورت بل ان السعودية اصبحت تشتكي منها ومن تطورها كما ان حركة انصارالله اليوم اصبحت اقوى بالف مرة من حيث التنظيم والتسليح والإستعداد والسياسة من الفترة التي انطلق فيها العدوان قبل اربع سنوات أضف الى ذلك ان السعودية لازالت تأكل ضربات موجعة بشكل يومي في حدودها واصبحت الجبهة الحدودية جبهة استنزاف عسكري ومالي للنظام السعودية.
هذا كما استطاعت القوى المناهضة للعدوان في صنعاء ترتيب اوضاعها وتجاوز اكثر العقبات والفتن التي صنعهتا السعودية في الداخل وتجاوز المجلس السياسي العديد من الجبهات الداخلية واصبح اقوى الان في مواجهة العدوان.
اوضاع السعودية والامارات في المناطق التي يسيطرون عليها في الجنوب والشرق ايضا ليست جيدة وهي دليل واضح على فشل هذه الدولتين حيث ارتفعت الاصوات المطالبة باخراجهم واتخذ الحراك الشعبي الرافض لتواجد هذه الدول في الآونة الاخيرة طرق واساليب متعددة خاصة في محافظة المهرة التي تطمع السعودية السيطرة عليها كما تصاعدت الانتقادات والاختلافات بين المرتزقة على الارض والتحالف السعودي الاماراتي وبات العديد من مؤيدي العدوان سابقا ينتقدونه اليوم ويشنون حملات ضده تطالبه بالرحيل وترك اليمن ويحملونه كل المصائب والمآسي والكوارث الحاصلة. واصبحت الانشقاقات والاتهامات والاختلافات والصراعات تحيط بالتحالف السعودي من الداخل والخارج.
ولقراءة مجريات الاحداث وتسلسلها منذ بدء العدوان حتى اليوم نستخلص ان السعودية اليوم تعيش ضعفا شديدا في حربها على اليمن وان هزيمتها اصبحت موكدة خاصة مع التطورات الحاصلة في الداخل الامريكي والموقف الامريكي والغربي المتحول تجاه بن سلمان فبعد اربع سنوات حرب وحصار يجمع العديد من المحللين على فشل السعودية وعدم استطاعتها في فرض ارادتها واهدافها على اليمنيين في المستقبل ويعتبرون صمود اليمنيين في وجه العدوان معجزة القرن الجديدة.