ما هو سرُّ الصمود اليمني بوجه التحالف حتى الآن؟
مقالات | 29 يناير | مأرب برس :
بقلم / شارل أبي نادر :
صحيحٌ أن “السيدَ” يتابع دَائماً بخطاباته وبتوجيهاته معركةَ الدفاع عن اليمن بكافة تفاصيلها، عسكريًّا وسياسيّاً وديبلوماسياً ووجدانياً ومعنوياً، وهو يواكبُ المعركةَ بكافة تطوراتها ومعطياتها على مدار الساعة، ولكن.. قد تكونُ الكلمةُ الأخيرة لقائد حركة أنصار الله اليمنية السيد عَبدالملك بدر الدين الحوثي بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد مساء الخميس الفائت، هي الأَكْثَــر تعبيراً واختصاراً لمعنى وسر الصمود اليمني حتى الآن، بمواجهة عدوان تحالف واسع من دول إقليمية وغربية، وبتواطؤ من المجتمع الدولي ومن مؤسساته المعروفة، ويمكن تلخيصُ مقاربة السيد لهذا السر الغريب الذي طبع معركة صمود وثبات غير طبيعية، في ظل هذا الفارق الكبير من عدم التوازن، في القدرات وفي الإمكانيات العسكريّة والمالية والبشرية، وذلك من خلال التالي:
لناحية دور الشهداء:
خصّص السيدُ في كلمته وكما دَائماً، الحيِّزَ المهمَّ للشهداء ولدورهم الأساس في تثبيت النصر والصمود، وقد أشاد السيد الحوثي بدور جميع فئات الشعب اليمني في التصدي للعدوان قائلاً: “إن الكثير من أحرار القبائل تحَـرّكوا في مواجهة العدوان وقدموا فلذات أكبادهم شهداءَ وكان لهم دورٌ أساسي في التحشيد، وشهداؤنا الأبرار وفي طليعتهم الشهيد الرئيس الصمّاد يعبرون عن تنوع المناطق والقبائل والمكونات في خيار الصمود في مواجهة العدوان”.
وقد توجّه لأسر الشهداء في كلمة وجدانية تمنى فيها عليهم الثبات على طريق شهدائهم وراء الحَـقّ والاستقامة والتضحية والإباء في مواجهة العدوان.
لناحية القدرات العسكريّة:
ـ لقد أشار السيد إلى مسار النمو والتطور العسكريّ الذي فرض نفسَه على كافة المستويات في البر والبحر والجو، وهذا التطور أكّـــدته الوقائعُ الميدانية في مختلف الجبهات، وعلى كافة أشكال الاشتباك والعمليات القتالية، فكانت بداية مناورة القوة الصاروخية مفتاحاً رئيساً للصمود، بعد أن خلقت معادلةَ ردع لا يمكن تجاوزها، من خلال تطوير صواريخ باليستية استراتيجية، واكبت المعركةَ داخل وخارج الحدود، وقد تميّزت هذه الصواريخُ بقدرة واضحة في تجاوز أحدث منظومات الصواريخ المضادة، وفي التوجيه الدقيق والثبات على المسرى لمسافات تجاوزت أحياناً مئات الكيلومترات، ووصلت إلى عواصم دول إقليمية، كانت تعتبر نفسَها محصّنة عنها.
ـ تابعت دائرةُ التصنيع الحربي إنجازاتِها اللافتة، فكانت مناورةُ الطيران المسيّر، والتي كما يبدو نقلت المعركة إلى موقع آخر من التوازن بمواجهة تفوق العدوان الجوي، وبعد أن أدخلت القوة الجوية إلى أرض المعركة سلسلةً مختلفةً من الطائرات بدون طيار المتعددة الاختصاصات والأهداف، جاءت مؤخرا الطائرة المتميزة قاصف (2 كي)، والتي هي قمة في الفعالية والمناورة، لتؤكّـــد بما لا يحمل الشك معادلة التوازن والردع.
ـ هذا لناحية الأسلحة والقدرات، لكن لم يقتصر مسار النمو والتطور على التصنيع فقط، بل تعداه إلى مسار متميز في مناورة المعركة والعمليات التكتيكية، فخلقت عمليات الجيش واللجان الشعبية مفهوم العمليات المشتركة بين أسلحة الدعم والمساندة، وربما قد تكون هذه العمليات من بين القليل القليل عالمياً ممن اتبع هذا الأسلوب التكتيكي الفريد، فكانت المناورات المشتركة بين القوة الصاروخية وسلاح المدفعية، والمناورة الأُخْــرَى المشتركة بين الطيران المسيّر والقوة الصاروخية، وبين المدفعية والطيران المسيّر، وقد حقّقت هذه المناورات نتائجَ مهمةً في الميدان، من المفاجأة إلى الفعالية على الأهداف البعيدة، إلى المتابعة بعد الاستهداف، إلى المبادرة وتنفيذ العملية الاستباقية، وخَاصَّةً عند استهداف تجمعات العدوان البعيدة التي كانت تتحضر لتنفيذ عمليات زحوف ومهاجمات.
لناحية صمود المجتمع بشكل عام:
ـ ركَّز السيدُ في كلمته على جوانبَ مهمةٍ من الجوانب التي تؤثر في المجتمعات، وخَاصَّةً في المجتمعات التي تخوض حروباً طويلة مثل اليمن، لناحية الاقتصاد وضرورة الصمود في وجه الحرب الاقتصادية التي تشن على أبناء اليمن بالتواكب مع الحرب العسكريّة، وحيث أن الضغط الاقتصادي عادةً، طالما كان سبباً رئيساً في استسلام جيوش ودول بعد أن كانت تصمُدَ عسكريًّا، وقد تكون هذه الإشارة التي تطرق إليها السيد في كلمته هي الأَكْثَــر حساسيةً والتي تتطلب اهتماماً ومتابعة؛ لأَنَّ هذه المناورة التي يتّبعُها العدوانُ على اليمن اليوم في الحصار والتجويع والضغط الاقتصادي، ربما يراها هذا العدوان بديلاً عن الضغط العسكريّ الذي فشل به حتى الآن.
ـ لم يغفل السيدُ في كلمته أيضاً عن جانب مهم وحسّاس، وربما أيضاً يمكن وضعُه في خانة الأسلحة الهدامة للمجتمعات التي تخوض حروبا دفاعية طويلة، وهو جانب الحرب النفسية التي تخاضُ عبر وسائل الإعلام المعروفة وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى أهميّة الثبات والوعي بمواجهة محاولات زرع الشك والرضوخ والاستسلام المعنوي والإحباط، مع تركيزه أيضاً على ضرورة تحصين الذات والمجتمع ضد محاولات العدوان للإفساد الأَخْلَاقي والنفسي، والتي تهدفُ إلى إشغال الناس بقضايا هامشية تبعدهم عن المعركة المقدسة الأساسية في الدفاع والمواجهة.
وأخيراً، وبعد أن أعطى في كلمته الحَـقّ والتقدير للموقف التأريخي الذي وقفه عناصر وضباط الجيش اليمني في معركة الثبات والصمود والمواجهة، هذا الموقف الذي سيخلده التأريخُ وتتناقله الاجيال، وبعد أن أكّـــد -وكما في كُــلّ المرات والخطابات- الاستعداد الدائم للسلام المشرّف الذي يؤمّن حقوقَ الجميع، خاطب الشعبَ اليمني بضرورة التحلّي بالمزيد من الوعي، وختم قائلاً: “إننا معنيون اليوم بعد كُــلّ هذه التضحيات أن نزداد عزمًا وثباتًا حتى يتوقفَ العدوانُ وأن نحافظَ على تضحيات شعبنا بحماية مبادئنا وأَخْلَاقنا التي مضى الشهداء من أجلها”.