إعانة اليمنيين … “النقد مقابل العمل” لسدّ الرمق

متابعات | 27 يناير | مأرب برس :

تأمين العمل للنازحين اليمنيين، لا سيّما مصدر رزق مستدام لهم، يُعَدّ واحداً من أبرز احتياجات هؤلاء وسواهم من المواطنين، في ظلّ استحكام الأزمة بالبلاد

بعد نحو أربع سنوات على حرب اليمن، يمكن القول إنّ الأزمة صارت مزمنة في البلاد، لا سيّما أنّ المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء وغيرهما لم تعد كافية، وفق ما يؤكّد كثيرون من أهل البلاد. إبراهيم الخولاني من هؤلاء الذين يشكون من عدم صمود ما تقدّمه المنظمات الإغاثية الدولية، طويلاً. ويقول لـ”العربي الجديد” إنّ “ثمّة منظمة دوليّة تسلّمني شهرياً سلّة غذائية تحتوي على دقيق وزيت وسكر وبقوليات في بعض الأحيان، لكنّها لا تكفي عائلتي أكثر من عشرة أيام تقريباً”.

والخولاني عاطل من العمل منذ بداية الحرب، لذا يعتمد بحسب ما يشير على “مساعدات أهل الخير لتوفير احتياجات ما يتبقّى من الشهر”. وللخروج من أزمته تلك التي تشبه ما يعانيه كثيرون من مواطنيه، يقترح الخولاني “دعم مشاريع تستوعب العاطلين من العمل في كلّ منطقة على حدة، فيتمكّنون من خلال ذلك من الحصول على أعمال تضمن لهم دخلاً مستمراً، بدلاً من المساعدات التي تُستهلك سريعاً”. ويشدّد: “نحن محرومون فرص عمل لتوفير ما يكفي أسرنا طوال الشهر”.

ما يرى الخولاني نفسه محروماً منه، يتمتّع به اليوم بعض اليمنيين، محمد الحميري واحد منهم. هو يعيل أسرته المؤلّفة من 15 فرداً والنازحة من منطقة الكدحة في تعز (وسط)، ويرى أنّه من المحظوظين الذين وفّر لهم الصندوق الاجتماعي للتنمية (مؤسسة وطنية) بذور خضراوات، وخصّص لهم استشارياً زراعياً يرشدهم إلى أفضل طرق زراعة أبرز أنواع الخضراوات التي يشملها غذاؤهم، وذلك في قطع أرض صغيرة في أماكن نزوحهم.

ويقول الحميري لـ”العربي الجديد”: “صارت زوجتي كذلك ملمّة في زراعة الخضروات، ونحن نزرع الكوسا والطماطم والفلفل والبامية والبصل. ولأنّ عدد أولادنا كبير، استطعنا التوسّع وزرعنا مساحة أكبر، ففاق حجم الإنتاج توقعاتنا”. يضيف أنّه “بالأجور التي نتقاضاها في مقابل جهدنا، نشتري الغذاء في خلال نموّ المحصول، بالإضافة إلى الزيت وغاز الطبخ وغير ذلك”. ويشير الحميري إلى أنّ “المشروع جاء بعدما انقطعت المساعدات الغذائية التي كانت تقدّمها لنا المنظمات قبل عام، في يناير/ كانون الثاني من عام 2018 لأسباب لا نعرفها”.

تجدر الإشارة إلى أنّ هذا النوع من الدعم الذي يوفّره الصندوق الاجتماعي للتنمية للنازحين، يُقدَّم في الوقت ذاته للمجتمع المضيف الذي هو بدوره شديد الفقر، ويوضح الحميري أنّ ذلك يكون من خلال “تشغيل أفراد ذلك المجتمع في استصلاح أراض زراعية من أجل إنتاج مستدام”.

من جهته، خسر الشاب محمد هزاع عمله في مدينة عدن الساحلية (جنوب) بسبب الحرب، فرأى أنّه من الأفضل الانتقال إلى مسقط رأسه في جبل جرّة، وهي منطقة تماس إلى جنوب مدينة تعز، ليكون بين أهله. هناك، بقي لمدّة أشهر عاطلاً من العمل. يقول لـ”العربي الجديد”: “لم أتخيّل في يوم أنّني سوف أحظى بمثل هذه المساعدة، فيقدَّم لي المال في مقابل استصلاح أرضي التي ورثتها وكانت مهجورة لأكثر من عشرين عاماً”. يضيف هزاع: “تمكّنت من زراعة محاصيل البامية والكوسا والطماطم والبطاطا، واشتريت احتياجات أهلي بما نتقاضاه من أجور، وصرنا جميعاً محميّين بفضل البستان وغير مضطرين إلى المخاطرة بحياتنا والخروج إلى السوق”.

وتأتي التدخّلات من قبيل “النقد مقابل العمل” على نطاق ضيّق، وقليلة هي المنظمات الإنسانية العاملة في اليمن والتي يتخطّى عددها 120 منظمة، التي تعمد إليها. وهذه الآلية هي من أكثر العمليات تعقيداً، إذ إنّها تستوجب التزام المنظمات بعناصر فنيّة، أبرزها تدريب أفراد المجتمعات المتضررة على بناء مرافق خدمية أساسية صغيرة الحجم للمجتمع، ذات جودة، من قبيل رصف الطرقات الريفية بالحجارة أو بناء خزانات مياه شرب من الأمطار أو إنشاء بساتين منزلية تنتج خضراوات خاصة لاستهلاك الأسر المتضررة من الحرب وغير ذلك.

وكانت دراسة أعدّتها منظمة “إنترسوس” الدولية قد أكّدت أنّ الحاجة الأولى للمجتمعات المتضررة والمستفيدة من الإغاثة، بما في ذلك النازحون في اليمن، هي استمرار الوصول إلى الغذاء. أمّا الحاجة الثانية فهي النقد الذي يحتاجه الناس لشراء سلع لا تقدّمها المنظمات لهم. ويأتي النقد كذلك كحاجة ثانية للمجتمعات النازحة لسداد ديونها المتراكمة بفعل النزوح.

في السياق، يقول أحد العاملين في المجال الإنساني في اليمن والذي فضّل عدم الكشف عن هويّته لـ”العربي الجديد”، إنّ “مساعدة المتضررين من الحرب من خلال توزيع النقد (أجر العمل) المشروط بتأدية المستفيدين للعمل البدني، تقدّم ثلاث فوائد في آن واحد”.

ويشرح أنّ “هذا النوع من المساعدات يوفّر تدريباً على المهارات وتطبيقاً لتلك المهارات في المجتمع المتضرّر من الحرب، لا سيّما بعد انقضاء أكثر من عامَين على حرمان نحو ثمانية ملايين يمني من مصادر الرزق، من بينهم 1.2 مليون موظف حكومي لا يتلقون رواتبهم بحسب بيانات الأمم المتحدة. وهذه هي الفائدة الأولى”.

يضيف أنّ “الفائدة الثانية تكمن في أنّ هذه الآلية تتيح توفير خدمة أو أكثر من الخدمات الأساسية التي يفتقر المجتمع إليها، من قبيل مياه الشرب والغذاء والطرقات الممهّدة نحو أسواق العمل والمرافق الحيوية العامة. أمّا الفائدة الثالثة فهي توفير أجر العمل الذي ينفقه العمّال من أبناء المجتمع على اقتناء أبرز احتياجاتهم الأساسية (الدواء مثلاً)، والتي لا تكون من ضمن ما توزّعه المنظمات (الغذاء مثلاً)”.

ويؤكد محمد علي سالم، وهو أحد أعضاء المجلس المحلي في منطقة بني قيس بمحافظة حجة (شمال غرب)، أنّ “قلّة من المنظمات تعمل بحسب آلية النقد مقابل العمل، لكنّها تحلّ في المرتبة الأولى لدى المجتمعات، لأنّها لا تحرم فرداً من فوائدها. من لا يستفيد من أجر العمل ومهارات التدريب، فإنّه يستفيد من الخدمات المنجزة”.

ويشرح لـ”العربي الجديد” أنّ “ذلك يأتي في حين أنّ المساعدات من قبيل توزيع الغذاء لا تغطّي نصف الاحتياجات في أفضل الأحوال، ثمّ أنّ المنظمات توزّع المساعدات في خلال أشهر ولا تعود بعدها”. ويشير سالم إلى “أربع منظمات فقط تعمل بآلية النقد مقابل العمل في المديرية، ثلاث منها لم تكن مخرجاتها الخدميّة جيّدة لأنّها بدأت العمل بتلك الآلية قبل وقت قصير فقط”.

من جهتها، تقول صفاء السعيدي، وهي عاملة في مجال الإغاثة، لـ”العربي الجديد”، إنّ “آلية النقد مقابل العمل تحقق فوائد أخرى في ظل الوضع الإنساني المتردي. فهذه الطريقة تعيد إلى الناس كرامتهم من خلال العمل وتبعدهم عن الاتّكال على الإغاثة وتشجيع تسوّلهم إياها”. وتؤكد أنّ “تسليم المساعدة المالية لمن يعمل يساهم في تحريك الركود الاقتصادي الحاصل، الأمر الذي يؤثّر في حركة العملة الأجنبية أساس التمويل في البلاد ويحدّ من ارتفاعها، من خلال التوقّف عن استيراد سلع الإغاثة من أوروبا وآسيا وعدم دعم الاقتصاد الوطني بشيء”. تضيف السعيدي أنّ “من مميّزات الخدمة بُعدها عن مطامع الأطراف المتحكمة بطرقات مرور الإغاثة والتي اعتادت الحصول على مقابل كبير لقاء تسهيل مرورها”.

وتشير السعيدي إلى أنّه “في سبيل مواجهة الكوليرا مثلاً، تقدّم المنظمات بمعظمها أدوات صحية للسكان في المناطق النائية التي لا تملك دورات مياه، بهدف حمايتهم من انتقال المرض بينهم. لكنّ آلية النقد مقابل العمل، تحثّهم على بناء مراحيض صحيّة”. وتتابع أنّ “هذا الأسلوب سوف يقضي على انتشار الأمراض، وفي الوقت نفسه يحصل السكان على المال مقابل عملهم في إنشاء تلك المراحيض ويكسبون كذلك مراحيض تخدمهم طوال حياتهم”.

وكان الأمين العام المساعد للأمم المتحدة المكلف الشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، قد حذّر من أنّ نصف سكان اليمن، نحو 14 مليون نسمة، يواجهون خطر المجاعة “التي صارت وشيكة جداً”. وأوضح لوكوك في كلمة له ألقاها أمام مجلس الأمن حول الوضع الإنساني في اليمن، أنّ “المهمة الملقاة على عاتق وكالات المعونة ضخمة وأكبر من أيّ شيء آخر واجهته من قبل”، لافتاً إلى أنّ ملايين اليمنيين يعيشون على المساعدات الغذائية الطارئة منذ سنوات.


(العربي الجديد)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى