الحـرب علـى موائـد التفـاوض

مقالات | 8 يناير | مأرب برس :

بقلم / أحمد فؤاد * :

تخوض الأمة اليمنية، تحد مهم، في عملية التسوية السياسية الجارية، ومن ورائها قلوب وعقول ملايين العرب، ممن يعلمون يقينًا أن الانتصار اليمني بداية ومفتتح لعصر جديد تمامًا، ليس فيه من القديم سوى الدروس والعبر، لكنه يبقى عصرًا مغايرًا بالكامل، أثبتت فيه الإرادة العربية الحرة حضورها وانتصارها، وكتبت على جبين القدر أروع انتصار، توحدت فيه سواعد الشعب مع جيشه ومقاومته، لتصنع تجربة فريدة وبالإمكان استنساخها وتكرارها.

أطراف العدوان على اليمن تريد للتسوية أن تكون معركة أخرى، ويحاولون كسر إرادة الصمود لدى الشعب اليمني، وتطويق انتصارهم العسكري، تساعدهم أطراف غربية، لطالما مثلت بالنسبة للسعودية السند والداعم، لا تريد لآل سعود الانكشاف الكامل في الخليج، أو وصول صورة حقيقية لنهاية الحرب إلى العالم، والشعوب العربية بالذات، أن السعودية وورائها تحالف عربي ضخم قد هزموا، وأن قوتهم ومن ورائها تأثيرهم في محيطهم الجغرافي قد عصف بهما الشعب اليمني الأبي.

اليقين الراسخ لدى كل متابع للشأن اليمني، منذ البداية، ثم مع استمرار المعارك والتجاذبات السياسية السابقة، أن اليمن وفي القلب منه “أنصار الله”، أجادوا في مواجهة كل أزمة وخرجوا بعد كل عقبات وعراقيل السعوديين أكثر قوة وثقة، وفرضوا إرادتهم على أطراف الصراع، وهذا هو تعريف الانتصار بشكل لا لبس فيه ولا تجنِ، وبالتالي فإن القادم ومهما حمل من تحديات لن يكون أصعب على من حمل لواء المعركة أمام قوى تفوقه بعشرات المرات عددًا، ولا وجه لمقارنة العتاد العسكري بينهما.

لكن الحرب، كتجربة شعب يواجه أقصى تحدياته، أبعد ما تكون عن الرصاص والبارود، فهي أشمل وأعم من صراع في ميادين وبين جنود، هي ممارسة سياسة فرض الإرادة من طرف على طرف، بوسائل عسكرية، عند نقطة الحد الأقصى للعنف، لكن السياسة والمفاوضات جزء واستكمال للحرب، يريد كل طرف أيضًا أن يفرض أرادته وينتزع مآربه.

وفي غياب أي مشروعية للعدوان السعودي على اليمن، فإن أقصى ما يمكن أن يتحقق للعدوان كان التغلب وليس النصر، لذا فالمعركة العسكرية السعودية كانت خاسرة قبل انطلاق الطلقة الأولى، رغم 4 سنوات من القصف الشامل لكل وسائل الحياة في اليمن،وصولًا لممارسة القتل الجماعي لليمنيين، ومع الفشل والفضيحة العالمية للعدوان، التي لم يمكن التكتم عليها أكثر من ذلك، فقد ذهب فريق التفاوض السعودي إلى ستوكهولم كمحاربين –وربما قتلة- لا كمفاوضين.

اختلاف مناورات السياسة عن الحرب والمعارك العسكرية تنبع من نقطة أساسية، هي أن السياسة بحر مفتوح للحركة الواسعة بغير توقف، وبلا حدود غالبًا، وسلاحها الأساس هو السرعة وحسن التقدير والظرف الملائم للفعل، أما الحرب فإن الحركة فيها مشروطة بحسابات العسكريين والجغرافيا واللوجيستيات وغيره كثير، لذا فالفرص بين فريقي التفاوض منفصلة قليلًا عن نتائج المعركة العسكرية، وليست مبنية بالكامل على ما تحقق على الأرض.

وعلى هذا بدأ الالتفاف السعودي على اتفاق ستوكهولم مفهومًا في مقاصده، وواضحًا في أهدافه، حيث يعمد تحالف العدوان وحكومة “هادي”إلى محاولة الالتفاف على مخرجات مشاورات السويد وإفشالها، كما يرفضون السماح بدخول المساعدات الإنسانية والتجارية والمشتقات النفطية، ووضع العراقيل والعوائق أمام نهاية للحصار المفروض على اليمن، مع توجيه اتهامات مضللة بأن صنعاء تعرقل السماح بدخول السفن، في الوقت الذي تقف فيه السفن بانتظار الحصول على تصاريح الدخول، بما في ذلك السفن المحملة بالمشتقات النفطية، في عملية صناعة أزمات للحكومة اليمنية والمجلس السياسي الأعلى.

التفهم اليمني لمحاولات العدوان والتحالف بتأزيم الموقف كان واضحًا، تجلى في سرعة الرد واستهداف وضع إطار عام للتفاوض قبل أي جولة ثانية، لم تحدد أرضها بعد، وهو ما يضع اللوم على الطرف الحقيقي المعرقل لأي اتفاق، وفي هذا فإن السياسي اليمني الحاذق أدرك أهمية أن يكتسب مشروعية دولية إضافية، فيما لو حاول التحالف تجديد القتال، ليحصل اليمن على القوة والمشروعية في أي صراع قادم، وهي نقطة أساسية تجعل من الحرب مبررة وقادرة على حشد الشعب اليمني بالكامل خلف رايته الوطنية.

النصر لليمن آت لا محالة، والخزي والعار لكل من شارك –ولو أسميًا- في تحالف العدوان على شعبها البطل، دروس التاريخ تتجدد على الأرض الطيبة، فكم من دم هنا انتصر على السيف، وسينتصر.

*كاتب مصري

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى