فورين بوليسي: هذا هو الوجه الجديد للإرهاب في 2019
متابعات | 3 يناير | مأرب برس :
نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا للأستاذة الزائرة في جامعة هارفارد فيرا ميرونوفا، تقول فيه إن الطريقة التي يفكر بها الغربيون بالإرهاب الإسلامي أصبحت قديمة.
وتشير الكاتبة في مقالها، الى أن “المسؤولين ركزوا لعقود طويلة على هجمات قد يقوم بها أشخاص من الشرق الأوسط، لكن اليوم فإن التهديد الحقيقي يأتي من مكان أبعد إلى الشرق، من الاتحاد السوفييتي سابقا وما بعده، حيث المتطرفون الذين كانوا يشعرون بمظالم محلية يديرون انتباههم إلى الغرب، إنهم مصدر التهديد الذي يجب مراقبته عام 2019”.
وتبين ميرونوفا أن “التهديد من الإرهابيين في الشرق الأوسط كان في حالة تراجع لبعض الوقت، وحتى خلال الحرب ضد تنظيم داعش، فإن المتحدثين باللغة الروسية من دول الاتحاد السوفييتي السابق كانوا هم من يرتكبون معظم الهجمات الإرهابية في الغرب، وتلك تضمنت عددا من هجمات الذئب المنفرد، مثل الهجوم بشاحنة على المشاة عام 2017 في نيويورك وفي ستوكهولم -وقام رجلان من أوزبكستان بالهجومين- بالإضافة إلى عمليات أكثر تعقيدا أيضا، مثل التفجيرات الانتحارية في 2016 في مطار إسطنبول -الذي تم ترتيبه من مواطن روسي- والهجوم على ناد ليلي في المدينة ذاتها الذي قاده أوزبكي”.
وترى الكاتبة أن “هناك عدة أسباب للتزايد النسبي للإرهاب ضد الغرب القادم من بلدان الاتحاد السوفييتي سابقا، فابتداء انشغل مقاتلو الشرق الأوسط بالصراعات المحلية في العراق وسوريا واليمن، فلم يتجهوا للخارج، بالإضافة إلى أن جاذبية تنظيم داعش تراجعت بعد هزيمته الكاملة في سوريا والعراق”.
وتفيد ميرونوفا بأنه “في الوقت ذاته، فإن حروب الشرق الأوسط حولت المتطرفين المتحدثين باللغة الروسية، الذين ركزوا في السابق على محاربة حكوماتهم الظالمة محليا، إلى إرهابيين دوليين، ومع حلول عام 2017 وصل ما لا يقل عن 8500 مقاتل من جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقا إلى سوريا والعراق، وانضموا إلى تنظيم الدولة، وتلك التجربة أعطت هؤلاء أول طعم لمحاربة أمريكا وقوات الناتو، وتركتهم يبحثون عن الانتقام، مقتنعين بأن الغرب يجب أن يكون هدف الهجمات القادمة”.
وتقول الباحثة: “فمثلا، أحمد شطائف، المتهم بالهجوم على مطار إسطنبول، كان في البداية يبحث عن طريقة لمهاجمة أهداف غربية خلال الحرب في سوريا والعراق، حيث أظهرت مكالمة هاتفية معترضة بينه وبين إسلام أتابييف، أن الشخصين كانا يخططان لجمع معلومات عن القنصليات الأمريكية والمطاعم التي يرتادها الأمريكيون في تركيا وجورجيا”.
وتلفت ميرونوفا إلى أنه “تم تطبيق السيناريو ذاته إلى الشرق، حيث يستطيع المقاتلون من دول الاتحاد السوفييتي السابق السفر بسهولة أكثر من العرب الذين يحملون الجوازات العراقية والسورية واليمنية”.
وتجد الكاتبة أنه “مع ازدياد قمع المسلمين في آسيا، فإن فرص تحول تلك المظلوميات إلى مظلوميات دولية تتزايد أيضا، عندما كنت في بنغلاديش في تموز/ يوليو 2018 التقيت بمجموعتين على الأقل من القوقاز، تقدمان المساعدات الإنسانية في مخيمات اللاجئين الروهينغا، بالإضافة إلى أن زعيما لمجموعة تتحدث اللغة الروسية مرتبط بالمتطرفين في سوريا قال إنه أيضا خطط لإرسال أتباعه لبنغلاديش”.
وتقول ميرونوفا إن “مثل تلك الاتصالات قد تقوي من إمكانيات المقاتلين المحليين الذين يقومون بعمليات ضد الغرب في منطقتهم، بمن فيهم أولئك الذين هاجموا عام 2016 مخبزا في العاصمة دكا يتردد عليه الأجانب، وقد يكسبون المزيد من الروهينغا لفكرة النضال العالمي وليس فقط الحرب المحلية لأجل البقاء”.
وترى الباحثة أنه “في السنوات القادمة، فإن التهديد الإرهابي من روسيا وأبعد منها سيزيد، ومع سقوط (الدولة الإسلامية)، استطاع الإرهابيون المتحدثون باللغة الروسية بشكل عام الفرار من العراق وسوريا بسهولة أكبر من المقاتلين ذوي الأصول الشرق أوسطية، وعادوا إلى دول الاتحاد السوفييتي سابقا أو إلى أوروبا، وكونهم نجوا من الجيش الأمريكي، فربما يكون من الأسهل عليهم تحقيق مخططاتهم، وسيساعدهم على ذلك التعاطف المحلي، فالإهمال الحكومي، بل القمع الشديد للمسلمين في كازاخستان وطاجيكستان وأوزبكستان، يجعل منهم أهدافا سهلة للتجنيد من المتطرفين، وهناك عدد من الشيوخ الشرق أوسطيين الذين أصبح لهم أتباع يتحدثون اللغة العربية والروسية على منصات التواصل الاجتماعي، مثل الشيخ السعودي عبدالعزيز الطريفي”.
وتعتقد ميرونوفا أنه “مع تغير موقع الإرهاب، يصبح على أمريكا وحلفائها تحديث استراتيجيات مكافحة الإرهاب، فعلى مدى العقدين الماضيين قامت أمريكا ببناء بيروقراطية ضخمة تهتم بالإرهاب الشرق أوسطي، وتم ضخ ملايين الدولارات لتوظيف وتدريب باحثين ومحللين يتحدثون اللغة العربية، وبحسب بيانات برنامج اللغات الضرورية، الذي تديره الحكومة الأمريكية، فمن 550 طالبا سيدخلونه عام 2019، فإن هناك 105 طلاب سيدرسون اللغة العربية، و60 فقط سيدرسون اللغة الروسية، وبحسب الأساتذة الذين تحدثت معهم -من أهم الكليات مثل هارفارد كندي سكول وجون هوبكينز للدراسات الدولية المتقدمة وتكسال اي أند أم بوش لدراسات الحكومة والخدمات العامة- فإن معظم الطلاب الذين يريدون العمل في مكافحة الإرهاب لا يزالون يدرسون دراسات الشرق الأوسط واللغة العربية، بالإضافة إلى أن هناك القليل من المتخصصين في وسط آسيا، ويستطيعون تعليم جيل جديد من المحللين”.
وتؤكد الباحثة أن “نقل تركيز الغرب سينطوي على تحديات سياسية؛ لأن على أمريكا أن تجد طريقة للتعاون مع روسيا وجاراتها، فعلى مدى السنوات الأخيرة تحسنت الشركات الأمريكية في إزالة الدعاية الجهادية من منصات التواصل الاجتماعي الأمريكية، لكن تلك الدعاية لا تزال موجودة على التطبيقات الروسية، مثل VK وOK، والمنتشرة في دول الاتحاد السوفييتي السابق، بالإضافة إلى أن تطبيق (تلغرام) أصبح من أهم أدوات الاتصال للإرهابيين من الخلفيات جميعها، كما أن الهواتف الخلوية التي تم الاستيلاء عليها من مقاتلي تنظيم داعش كشفت أنها كانت تعمل بشرائح أوكرانية”.
وتبين ميرونوفا أن “مراقبة هذه الأنظمة وغيرها سيحتاج إلى تعاون ومشاركة معلومات مع روسيا، لكن مثل هذا التعاون لا يبدو محتملا في المستقبل المنظور، وقد يكون هناك الكثير من العداء بين موسكو وواشنطن ليسمح لتعاون فعال، بالإضافة إلى أن هناك مشكلة نوعية المعلومات الاستخبارية، فكثير ممن ينتهي بهم الأمر على قوائم الإرهاب المحلية، وحتى على قوائم الإنتربول في المنطقة، هم في الواقع أعضاء في المعارضة المحلية، وفي الوقت ذاته فإن كثيرا من الإرهابيين المعروفين لا يتم إدراجهم على القوائم: ومعروف أن روسيا تقدم جوازات السفر للمتطرفين من القوقاز؛ بحجة أن جعل هؤلاء يغادرون البلد أسهل من التعامل معهم في داخلها”.
وتبين الكاتبة أن “المعلومات الاستخباراتية من المنطقة أصبحت مسيسة -وتستخدم بشكل أكبر لانتهاك حقوق الإنسان للمواطنين المتدينين أكثر منها لمنع وقوع هجمات إرهابية- ما يجعل من الصعب معرفة ماذا يمكن لأمريكا أن تفعل بمثل تلك المعلومات”.
وتختم ميرونوفا مقالها بالقول: “كان على الغرب أن يدرك هذا التحول منذ زمن، ولم يفعل، لكن هذا لا يعني أن يجلس مكتوف اليدين، وعلى أمريكا وحلفائها أن يدركوا أن الهجمات القادمة ستأتي غالبا من الشرق لا من الشرق الأوسط، وأنه لا مجال إلا بالتعاون مع روسيا وجاراتها لإيقافها، وإن فشلت أمريكا في فعل ذلك، فقد ترى قريبا الآثار، إما على شكل ارتفاع في الهجمات على أمريكا، أو نشوء مجموعات إرهابية ذات أغلبية من دول الاتحاد السوفييتي سابقا في مناطق الحروب المختلفة في العالم”.
*عربي 21