قبول التوبة مرتبط باتباع أحسن ما انزل الله
من هدي القرآن | 26 ديسمبر | مأرب برس :
{وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} كأن هذا مما يوحي أيضاً بأن التوبة نفسها لا يكون لها أثر إذا لم تنطلق أنت في اتباع ما أنزل الله إليك. وهنا يقول: {مَا أُنْزِلَ} ولم يقل بعض ما أنزل.. هل قال بعض ما أنزل؟ ما الذي أنزل؟ تصفح آيات القرآن الكريم ستجد ماذا أنزل.
في الوقت الذي أنزلت فيه الصلاة والزكاة التي نحن نعملها، ألسنا نعملها؟ أنزل فيه الجهاد، أنزل فيه وحدة الكلمة، أنزل فيه الاعتصام بحبله جميعاً، أنزل فيه النهي عن التفرق، أنزل فيه الأمر بالإنفاق في سبيل الله، أنزل فيه الأمر بالنصيحة والتواصي بالحق، أنزل فيه أشياء كثيرة أخرى هي أكثر مما نعمل.
أعتقد أن ما نضيعه من الإسلام ونتركه هو أكثر بكثير مما نطبقه – حقيقة – تعال واعمل قائمة [جدولاً] بما تحدث عنه القرآن الكريم ودعا عباد الله إليه ثم انظر كم هي التي نطبقها؟ واحدة، اثنتان، ثلاث، أربع، خمس، ست، سبع، من عشرات أو من مئات الأحكام والإرشادات والتوجيهات التي هي تمثل الدين الكامل لله سبحانه وتعالى.
وعندنا يقال في أصولنا: بأن التوبة يجب أن تكون توبة من كل الذنوب {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}(المائدة: من الآية27) أن تتوب من ذنب واحد وأنت مصر على ذنوب أخرى، ويجب أن نفهم كلما قلنا: [ذنوب] أن الذنوب ليست فقط تلك التي يتبادر إلى أذهاننا اقتراف معاصي معينة، التقصير من الذنوب الكبيرة، القعود عن العمل في سبيل الله، عن الإنفـاق في سبيله، عن الجهـاد في سبيله، عن الاعتصام بحبله، التقصير فيها من الذنوب الكبيرة. {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(آل عمران:105).
يقال في أصولنا: أن الكبائر: ما توعد الله عليها فهي كبيرة.. ألم يتوعد بعذاب عظيم على التفرق والاختلاف؟ فكبيرة, معصية كبيرة.
فعندنا يقولون: بأن التوبة يجب أن تكون من كل المعاصي فتوبة جزئية من المعصية وأنت مصر على معاصي أخرى، أو أنت في وضعية عصيان باعتبارك مقصراً أيضاً تقصيراً لا مبرر لك فيه، فتوبتك لا تقبل حتى من الأشياء التي نحن متفقون في عرفنا على أنها معاصي.
الناس الآن أصبح لديهم عرف: أن تلك الأشياء التي وجه الله عباده إليها وألزمهم بها لم يعد التخلي عنها معاصي.. ألسنا نصف بعضنا بعضاً بأننا مؤمنون، ونقول: [فلان من أولياء الله وفلان رجال باهر وفلان كذا] ونحن نعلم جميعاً أننا مقصرون في أعمال كبيرة جداً هي أساس الإسلام بكله.
لا يصح أن ندعو بعضنا بعضاً باسم الإيمان ونحن في هذه الحالة، لا لكبير ولا لصغير لا لعالم و لا لجاهل، لا يصح.. كيف أسميك مؤمناً وأنت تسميني مؤمناً، أسميك ولياً من أولياء الله وأنت تسميني ولياً من أولياء الله ونحن جميعا نعرف أننا مقصرون في العمل في سبيل الله.. ألسنا قد تعارفنا على نبذ الكتاب، وقد اتفقنا على أن هذه لم تعد ذنباً ولا معصية؟!.
الناس هكذا وصل بهم الأمر كلنا اتفقنا على هذا وقد اتفقنا على أن الأشياء الباقية هي ما نسمي بعضنا بعضا فيما إذا كان يؤديها باسم [إيمان] فنقول: [سيدي فلان من أولياء الله.. الحاج فلان من أولياء الله] ولا تجد سيدي فلان ولا الحاج فلان يعملون في سبيل الله! فلسنا من أوليائه، ولسنا مؤمنين فعلاً. {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ} ألم يقل هكذا في أكثر من آية؟ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}(الحجرات:15).
هنا يصح وسنكون صادقين إذا قلت لك: أنت مؤمن. وتقول لي: أنا مؤمن، لكن نحن كاذبون إذا كنا لا نعمل في سبيل الله، ولا نجدّ في العمل في سبيل الله فتقول لي مؤمناً وأقول لك مؤمناً، هنا قال: {أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} وحدهم, هم هؤلاء الصادقون في إيمانهم، فأنا وأنت كاذبون، أليس كذلك؟.
بعد أن دعا عباده إلى العودة إليه، العودة هي هذه: أن تنيبوا أن تسلموا أن تتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم، ويكرر أن الذنوب سواء ما كانت بشكل معاصي، المعاصي التي نحن معترفون بها ومتفقون عليها، أو من المعاصي التي قد تعارفنا على أنها ليست معاصي، يجب أن نتخلص منها وأن نعود إلى الله وإلا فهناك العذاب الذي كرره في الآية مرتين: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ}(الزمر: من الآية54) {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}(الزمر: من الآية55).
لاحظ هنا في قول الله: {وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}(الزمر:55) الحـالة التي نحن فيها.. ألسنا متفقين مع أنفسنا ومع بعضنا بعض أننا مؤمنون؟. قد يأتينا العذاب يوم القيامة بغتة ونحن لا نشعر [هه كان احنا مؤمنين كنا نقول: مؤمنين وكل شي سابر ما بالنا !!].
لأنه في اتباع القرآن يحصل هكذا من جانبنا، وهذا ما نحن عليه كباراً وصغاراً.. أليس كذلك؟ أن جزءاً كبيراً جزءاً كبيراً من القرآن الكريم لا نعمل به إذاً فنحن نسير سيرة ونحن مغمضون على أعيننا، فقد لا تفتح عينيك إلا وجهنم أمامك، من حيث لا تشعر.
{وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} ولأن في توجيهات الله داخل القرآن الأحكام الشرعية الهداية من الله سبحانه وتعالى داخل القرآن الكريم مثل الجهاد، الجهاد سماه الإمام علي: ((سنام الإسلام)). يرتبط به أشياء كثيرة فهناك حسن وأحسن داخل التشريع نفسه، فالأحسن هو الذي يقودك إلى أن تطبق كلما هو مرتبط به، فمتى ما انطلقت للاهتمام به ستهيئ نفسك والآخرين سيهيئون أنفسهم لأن يطبقوا كلما هي مرتبطة به من هداية الله سبحانه وتعالى من الأعمال والأقوال والسلوك وغيرها.
لكن متى ما أهمل الناس هذه المبادئ المهمة الكبيرة، متى ما أهمل الناس المبادئ الكبيرة أهملوا كلما وراءها، أو انطلقوا في الصغار بشكل لا يترك أثراً. من يتأمل في سيرة أهل البيت (عليهم السلام)، القدامى من أئمة أهل البيت يرون هكذا: أن هناك في الإسلام أشياء الدين كله مرتبط بها متى ما غابت أصبح الدين كلا شيء، وأصبحت أعمال الناس كلا شيء.
اجتمع مجموعة من كبارهم في بيت واحد من أولياء أهل البيت [محمد بن منصور المرادي] وكانوا يصلون فرادى وهم مجتمعون، وليس من منطلق أنه لا أحد منهم يثق بالآخر كلهم يقدرون بعضهم بعضاً ويحترمون بعضهم بعضاً من كبار علماء أهل البيت لكن هم يرون أنه حتى صلاة الجماعة أصبحت لا تصح مع غياب إمام حق، فكانوا يصلون فرادى، فطلب منهم [محمد بن منصور المرادي] أن يعينوا شخصاً منهم وأن يتفقوا على شخص منهم يجعلونه إماما قال: لنتمكن من أن نصلي جماعة فتصح جمعتنا وجماعتنا.
سيرى الناس أنفسهم متباينة، قلوبهم يستنكرونها، لا ألفة فيما بينهم، لا إخاء فيما بينهم، لا صدق فيما بينهم، لا وفاء، لا اهتمام بشأن بعضهم بعض!.. أليست هذه حالة نلمسها في المجتمعات؟ هي حالة نحن نلمسها.. تحصل هذه إذا ما حصل تقصير.
ويدل هذا على أن تلك الأعمال التي تعملها هي لا تقبل منك، ما يدرينا هل صلاتنا تقبل؟ هل صيامنا يقبل؟ هل زكاتنا تقبل؟ ربما أقصى ما يمكن إذا صحت صلاتنا وزكاتنا وصيامنا أننا فقط لا نؤاخذ على أننا تركنا الصلاة وتركنا الزكاة وتركنا الصيام، لكن أن تقبل منا فنعطى ثواباً وجزاءً من الله عليها هذا شيء آخر، فقط لا نؤاخذ بأننا تاركي صلاة.
أنا أصلي لكن صلاتي لا تقبل، في الوقت الذي لا تقبل قد يكون أكثر ما أحصل عليه من خلالها هو أنني لا أعذب بأني تارك صلاة، لكن أن تحصل على الثواب الكبير من الصلاة.. ألسنا نتزاحم في المساجد جماعات، ونقول الجماعة بخمسة وعشرين صلاة؟. لا أعتقد بأنها قد تقبل حتى الصلاة الواحدة بالشكل المطلوب, وهي من أشياء كثيرة.
أليس هنا هو ربط التوبة نفسها وقبول التوبة باتباع أحسن ما أنزل إليكم من ربكم؟ التوبة من هذا الذنب أو من هذا أو من هذا مرتبطة بالإتباع لأحسن ما أنزل إلينا من الله، وأن ينبهنا على هذا {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً} وهذه هي الخطورة.
معرفة الله وعده ووعيده الدرس الحادي عشر صـ3ـ4.