ماذا تتحمل السعودية والإمارات مسؤولية انهيار العملة اليمنية؟
متابعات | 8 نوفمبر | مأرب برس :
خلال السنوات الأخيرة بات هبوط الريال اليمني يوميًا أحد الثوابت الأساسية في اليمن، فلا شيء يمنع انهيار العملة ولا أحد يعرف متى سيتوقف هذه الهبوط، والحكومة تبدو عاجزة حتى عن محاولة لمنع هذا الانهيار، ولكن رغم أن هذا الهبوط عرض مستمر، تمر فترات يظهر فيها أن هذا السقوط ليس «طبيعيًا»، وهذا التراجع هناك من يقوده في الكواليس، فماذا حدث تحديدًا للريال اليمني مؤخرًا؟
خلال الفترة الماضية، سجل الريال اليمني عدة تراجعات كبيرة وصلت إلى نحو 14% و10% خلال أيام قليلة؛ إذ سجل مستوىً قياسيًا منخفضًا ليصل الدولار في مدينة عدن إلى 800 ريال مؤخرًا، وذلك في ظل الحديث عن مسؤولية مباشرة للإمارات في دفع العملة اليمنية إلى الهاوية، بينما تحمل الإمارات الحوثي المسوؤلية عن هذا التراجع، فمن هو المسؤول عن انهيار الريال؟ وما هو الدور الحقيقي للإمارات في دفع الريال للانهيار؟
من المسؤول عن انهيار العملة اليمنية؟
عندما نتحدث عن عملة وطنية ما من الطبيعي أن نتحدث مباشرة عن دور البنك المركزي، لكن في اليمن يمكن القول إن المركزي لا يمتلك أي صلاحيات لتحريك سوق الصرف، فعلى سبيل المثال لا يعمل فرع البنك في مأرب تحت مظلة البنك المركزي الرئيس في عدن، كما أن معظم الأموال التي يتم تداولها بعيدة عن المركزي، فلا تزال أموال تمويل الحرب ورواتب الجنود تمر بعيدًا عنه، ولكن إذا لم يكن المركزي من يتحكم في السوق، فمن يتحكم إذًا؟
بالحديث عن المتحكم الحقيقي أو المسؤول عن انهيار الريال اليمني، فإننا نتحدث عن ثلاث جهات: السعودية، والإمارات، والحوثيين، فتارة يمكن القول إن السعودية هي التي تتحكم في الوضع، وهذا ما ظهر في التناقض الإعلامي والرسمي حول الوديعة السعودية الأخيرة، ففي منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي تناقلت جميع الوسائل الإعلامية بيانًا رسميًا سعوديًا تحدث أن المملكة قررت إيداع ملياري دولار في المصرف المركزي اليمني، وذلك بعد يوم من مطالبة رئيس الحكومة اليمنية المعترف بها بمساعدات مالية عاجلة، وفي اليوم نفسه الذي أعلنت فيه المملكة هذا،قال البنك المركزي اليمني: إنه تلقى «تأكيدًا بإيداع الحكومة السعودية ملياري دولار في حساباته الخارجية».
كان هذا التفاعل السعودي رغم تأخره ينظر إليه حينها على أنه تجاوب سريع بهدف دعم استقرار العملة اليمنية، التي شهدت انهيارًا غير مسبوق خلال هذه الفترة، لكن المفاجأة أنه بعد مرور أكثر من شهر ونصف الشهر على هذا الإعلان خرج البنك المركزي في اليمن ليقول إنّ الوديعة السعودية المقدرة بملياري دولار لم تُسلم للبنك، بينما خرج مصدر حكومي يمني ليقول لموقع الجزيرة إنّ الرياض أرجأت تسليم الوديعة التي أعلنتها، بعد أن اشترطت على الرئيس عبد ربه منصور هادي تعيين محافظ جديد للمركزي مقابل تسليم الوديعة، وهو ما حدث لاحقًا.
هذا الموقف السعودي كان بمثابة محرك رئيس لسعر العملة اليمنية؛ إذ كان له تأثير كبير على سعر الريال، فبعد أن تسبب في صعوده بنسبة وصلت إلى 14% في منتصف يناير، خسرت العملة اليمنية ضعف هذه النسبة قبل وصول الوديعة التي تم توقع اتفاقية تسليمها للبنك المركزي اليمني، في منتصف مارس (آذار) الماضي، وذلك بعد شهرين من الإعلان عن إيداعيها بحسابات المركزي.
ولكن حاليًا يعتقد الكثيرون أن السعودية لم تعد هي من المحرك الرئيس لسعر الصرف، بل أصبحت الإمارات هي من يتصدر المشهد، خاصة بعد أن ألمح وزير النقل في الحكومة اليمنية، صالح الجبواني، إلى دورٍ تلعبه الإمارات في انهيار أسعار العملة المحلية، قائلًا خلال تغريدة على حسابه الشخصي في موقع «تويتر»: «من عجز عن إسقاط الحكومة بالسلاح يحاول إسقاطها بالدولار، ليبدأ عصر المليشيات».
وبحسب موقع << اليمن نت >> ، فقد نُقل عن مسؤولين يمنيين، بينهم مسؤول بارز في البنك المركزي اليمني في عدن، أن الإمارات اشترت العملات الصعبة من السوق بهدف دفع العملة اليمنية للتراجع، مؤكدين أن مراكز صرافة في المحافظات اليمنية تابعة لرجال أعمال محسوبين على الإمارات قاموا بالحصول على العملات الصعبة وسحبها من السوق، متهمين الإمارات بالتسبب في الانهيار المفاجئ والسريع للريال اليمني الذي فقد قرابة أكثر من 300 ريال في شهر.
هذا على جانب التدخل المباشر في التأثير على سعر الريال اليمني، لكن بخلاف هذا الدور تلعب الإمارات أدوارًا غير مباشرة تأثر على سعر العملة في اليمن، وعلى رأس هذه الأدوار أن الإمارات تضع يدها على ثلاثة موانئ في محافظة شبوة على البحر العربي (جنوب اليمن)، عبر قوات محلية موالية لها، وهي تعمل بشكل واضح على عرقلة جهود تطوير الموانئ اليمنية، كمشروع ميناء <<قنا>> التاريخي.
هذا الأمر يمنع اليمن من التصدير، وبالتالي الحصول على العملة الصعبة، وهو ما يوسع الفجوة بين العرض والطلب على النقد الأجنبي، وبالتالي يدفع العملة اليمنية لمزيد من الهبوط.
بشكلٍ عام يرى مراقبون أن أبوظبي تتحكم في اقتصاد اليمن وبمصير الحكومة اليمنية بصورة أو بأخرى، لكن في ظل الوضع العام في اليمن لا يمكن حصر المسؤولية عن انهيار الريال على جانب واحد، فبعيدًا عن تدخل الإمارات أو السعودية فالوضع اقتصاديًا أقل ما يوصف به أنه كارثي؛ إذإن الجوثيين – الطرف الثالث – يساهمون بشكل أساسي في انهيار العملة اليمنية، وذلك من خلال السيطرة على مفاصل اقتصاد البلاد،ـ وخاصة صنعاء، لكن لماذا قد تكون الإمارات صاحبة المسؤولية الأكبر في انهيار الالعملة اليمنية؟
لماذا تتحمل الإمارات الجزء الأكبر من المسؤولية؟
يرى مصطفى عبد السلام، الكاتب الاقتصادي، أن الإمارات ومعها السعودية مسؤولة مباشرة عن الدمار الذي لحق بالاقتصاد اليمني وعملته الوطنية، وعن الحالة المزرية التي وصل لها المواطن اليمني والتي جعلت منه الأفقر عالميًا، فالدولتان الخليجيتان يمارسان حربًا شرسة ضد اليمنيين منذ العام 2015، وهذه الحرب أدت إلى توقف صادرات النفط، المصدر الرئيس لإيرادات النقد الأجنبي في اليمن، حيث كانت تمثل نحو 70% من الإيرادات، كما أدت الحرب إلى نزوح الأموال للخارج وحدوث شلل في قطاعي السياحة والاستثمارات الأجنبية خاصة في أنشطة التنقيب عن الغاز والنفط، إضافة إلى تراجع تحويلات اليمنيين المغتربين، خاصة العاملين في السعودية.
وتابع عبد السلام خلال حديثه لـ«ساسة بوست» بأن الدولتين الخليجتين مسؤولتان أيضًا عن دعم الاحتياطي الأجنبي والحيلولة دون انهيار العملة الوطنية الريال، علمًا بأن الريال اليمني انزلق للهاوية بسبب تأخر السعودية والإمارات في تقديم الدعم النقدي العاجل للبنك المركزي الذي قسمته الحرب إلى بنكين، أحدهما في صنعاء، والآخر في عدن.
ويقول عبد السلام: إن الإمارات تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عن انهيار الاقتصاد اليمني في ظل إصرارها على الاستيلاء على الموانئ اليمينية المهمة الواقعة سواء على سواحل البحر الأحمر أو البحر العربي، وكذا محاولة السيطرة على المدن والمناطق السياحية اليمنية المتميزة مثل سقطري والفوز بكافة الصفقات المهمة في اليمن ومنع الصادرات اليمنية عبر إغلاق الكامل للموانئ.
مأرب الورد، الكاتب الصحافي اليمني هو الآخر حمل الإمارات التي تنازع السعودية على قيادة التحالف عمليًا المسؤولية في انهيار الريال اليمني، موضحًا أن الإمارات «لم تقدم أي دعم مالي للبنك المركزي كجزء من مسؤولياتها للتخفيف من الانهيار الاقتصادي، مع أنها قدمت ودائع للسودان وإثيوبيا بقيمة 3 مليار دولار بالتساوي».
ويتهم الورد، الإمارات والسعودية بعدم تنفذ وعودها المعلنة، وعدم تحمل مسؤولياتها بحكم تدخلها من خلال التحالف، مشيرًا إلى أن الأسوأ هو عدم سماح هذه الدول لليمن بتصدير النفط والغاز للخارج، لتوفير احتياجاتها من العملة الصعبة، ولم تسلمها ميناء المخا لتشغيله، ولا إدارة ميناء عدن، وتنشيط حركته بالشكل المطلوب.
لكن وبنظرة أكثر واقعية، فبالرغم من أن السعودية استخدمت الوديعة بصورة قد يظهر في التلاعب بالعملة، لكنها في النهاية قدمتها للبنك المركزي، بالإضافة إلى منحة بنحو 200 مليون دولار مؤخرًا للبنك المركزي اليمني، في حين أن الإمارات لم تقدم دعمًا يذكر لمساعدة العملة اليمنية، بالرغم من الطلبات اليمنية المتكرره بدعم مادي من الإمارات بصفتها مشاركًا أساسيًا بالتحالف.
رحلة سقوط الريال اليمني
شهدت العملة اليمنية نوعًا من الاستقرار خلال الأشهر الأولى من العام الجاري، وتحديدًا بعد أن أعلنت السعودية أنها ستتدخل لإنقاذ الريال اليمني، وأودعت في حساب البنك المركزي اليمني ملياري دولار، وسجل سعر الدولار حينها نحو 480 ريالًا يمنيًا.
لكن لم تستمر هذه الحالة كثيرًا فقد عاد الريال لاستكمال رحلة الانهيار مجددًا، وذلك منذ منتصف يوليو (تموز) الماضي، وحتى الآن، وبالطبع نحن نتكلم هنا عن السعر في السوق السوداء؛ إذ يحدد البنك المركزي السعر الرسمي للدولار بـ381 ريالًا يمنيًا وللريال السعودي 99 ريالًا يمنيًا، لكن لا يعبر السعر الرسمي في اليمن عن الواقع فالسعر الرسمي يعتبر «سعرًا وهميًا»؛ لأن السوق السوداء هي التي تتحكم بسعر الصرف في البلاد.
سعر صرف الريال اليمني كان قد انهار في مطلع العام الماضي، مسجلًا أعلى مستوى قياسي حينها، عندما وصل سعر الدولار إلى 510 ريالات يمنية في عدن، لكنه سجل تحسنًا طفيفًا بعد الإعلان عن الوديعة السعودية ليعود مجددًا للهبوط، بينما لا زالت العملة اليمنية مرشحة للهبوط أكثر، وذلك وسط الطلب المتفاقم على النقد الأجنبي، في ظل إخفاق البنك المركزي عن فعل أي شيء يذكر لوقف هذا الانهيار، إذ لم يتحرك المركزي اليمني لوقف التراجع الحاد في قيمة العملة المحلية، وبحسب المعطيات المذكورة فالمركزي لا يملك أدوات تمكنه من وقف هذا النزيف، أو بالأحرى هناك أطراف أخرى تتحكم في سعر صرف الريال.
جدير بالذكر أن البنك المركزي أعلن في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) عن نيته طباعة تريليون ريال من الأوراق النقدية خلال العام الجاري 2018، بينما من المتوقع أن يتجاوز هذه القيمة بعد أن بلغ إجمالي قيمة العملات المطبوعة خلال أول شهرين من العام لنحو 600 مليار ريال.
ومن المستحيل اقتصاديًا أن يشهد الريال تحسنًا ملموسًا في ظل استمرار الطباعة بهذا المعدل بدون غطاء، وبحسب خبراء فإن زيادة المعروض من النقود سيتسبب في زيادة مستويات الأسعار المحلية، وهو ما حدث بالفعل؛ إذ قفزت الأسعار مؤخرًا بنسب وصلت إلى 300%، وبالتالي سيضغط المعروض النقدي الضخم على سعر الصرف، ويؤدي إلى انخفاض قيمة العملة الوطنية، في ظل اختفاء العملة الصعبة.