حمِرَة المِدبِر العالمي ابنِ سلمان
مقالات | 6 نوفمبر | مأرب برس :
بقلم / حمود عبدالله الأهنومي :
ذات يوم من أيام 2013م كتب (علي بخيتي) على صفحته الفيسبوكية مثَلاً يمنياً يقول: (لا تربط حمارَك جنبْ حمار المِدبِر يِدبرَك بدبوره)، وهو يعلِّق على تحالف بعض الأحزاب والجماعات في مصر، لكن الذي غاب عنه وعن أمثاله من المرتزقة المنافقين أنّ تضييعَهم بوصلة الهوية اليمانية، قد يجعلُهم يمخَرون عُباب البحارِ المائجة بدون وِجهة واضحة ولا دليلٍ مرشٍد، فيأتي يومٌ من أيام الله، ليس ليربِطوا فيها (أحمِرتهم جنب حمير المدبرين)، بل ليكونوا هم بشحومهم ولحومهم (الأحمِرة) لأكبر (مِدبِر عالمي) بحجم ابن سلمان، أبو منشار، أو يكونوا (الأحذية) المهترئة التي يحين قذفُها في (الزبالة) كأوسخِ مخلفات.
(المِدْبِر) (أبو منشار) هذا بات اليوم مرمىً لنيران الكتاب والصحافيين والإعلاميين والمفكرين والمثقفين والسياسيين والمؤسسات الإعلامية والاقتصادية والعسكرية والدول والكيانات السياسية والاقتصادية والعلمية والتعليمية في كل هذا الكون، وهو الذي سقطت آخرُ ورقة خريف عنه، وقد كشفت للعالمين أنها كانت تغطي على أقذر سوأةٍ لأكبر مجرم في التأريخ المعاصر.
بالأمس على صفحات أشهر صحيفة أمريكية (واشنطن بوست) صوّبَ وريثُ العثمانيين أردوغان تسديدتَه قبل الأخيرة على “أعلى سلطة سياسية في السعودية”، مُتَّهِماً إياها بارتكاب جريمة خاشقجي، وبالطبع استثنى (الملك الخارف) سلمان، ليتم توجيهُ السهم بالنتيجة المنطقية نحوَ مَن سيسجّل التأريخ بأنه أغبى (مدبِر) وأفظع مجرم مر في هذه الديار.
أردوغان (العثماني) يحمل للنظام السعودي عداوتين، عداوة قديمة، تعود إلى الحرب العالمية الأولى (1914- 1918م)، حيث تآمَرَ ابنُ سعود مع الإنجليز في الجزيرة العربية ضد أجداده، وساهموا في هزيمتهم وإذلالهم وإهانتهم، والذين لم توات الفرصة للاقتصاص لهم، وعداوة مُحْدَثة، بسبب موقف السعوديين وحلفائهم من صعودِ نجم (إخوان) أردوغان في ثورات ما يسمى بالربيع العربي، ثم بسبب الموقف السعودي الإماراتي الممالئ أو المتآمِر مع الانقلاب ضده في 2016م، وما لحق ذلك من (فلافل) حصار قطر، وأزمة الليرة التركية قبل شهور قليلة، وكانت كل هذه الأمور ستذهبُ أدراجَ الرياح لو لم يجلبْ قَدرُ التأريخ وعدالته الفرصة الذهبية، يوم أتت بالدب الداشر رجلاه إلى حضرة العثماني العتيد، من خلال قضية الخاشقجي هذا، والتي لن يقنَع التركي من ثمارها بأقلَّ من التدخل في رسم مستقبَل الحكم في السعودية نفسها، مع ابن سلمان أو مع البديلِ عنه، كما أتوقع.
أردوغان ساق اتهامَه أمس من خلال الإعلام الأمريكي لتضييقِ خيارات (الفيل الجمهوري ترامب) في واشنطن، في إنقاذ هذا (المدبِر) العالمي، وبات واضحا أن الإدارة الأمريكية المهمومة بانتخابات التجديد النصفي، ومستقبل رئاسة حلاب البقر (ترامب)، والمحاصَرة بالإعلام الأمريكي، والذي يتصدّر المشهدَ أهمُّ وأبرزُ صحفه العتيدة، ومنها (واشنطن بوست) التي كان يكتب خاشقجي على صفحات الرأي فيها، وقد أخذ مالكها وناشرها على نفسه أن لا يترك قضية خاشقجي حتى إلحاق العقوبات المناسبة بقاتله الحقيقي.
قبل أيامٍ عادت مديرة السي آي إيه (هاسبل) ممتلئة الوفاض من محصولات تركيا التي جنتها من حديقة القنصلية المارقة، من أدلةٍ ومعلومات تفيد تورُّط (المهفوف)، غير أن إعلان وزارة الخارجية الأمريكية حاجة الإدارة إلى أسابيع قادمة لتحديد طبيعة العقوبات الأمريكية المزمعة على السعودية مؤشِّرٌ على ارتباك إدارة ترامب، وخشيتها من أي قرار لا يُرضي التوجُّهَ العالمي بتحميل المجرم المفضوح مسؤولية جريمته، لا سيما وقد جرَّبت ردودَ الأفعال الصاخبة من الأمريكيين وغيرهم عقب تصريحات ترامب التي حاول فيها التستر على ابن سلمان.
أما التركي العثماني، وقد أمسك بتلابيب القضية بين يديه فإنه “يُقطِّر” القضية للعالم بالقطَّارة، وفي كل يوم يقدِّمُ شيئا جديدا ولكنه مدروس بعناية؛ الأمر الذي يساهم في جعل هذا الموضوع في بؤرة التركيز الإعلامي العالمي، وها هو الآن يشدُّ الحبل على عنق (الدب الداشر)، سيد (الأحمِرة اليمنية)، وليس على الله بمستنكَر أن يكون أردوغان أو خاشقجي هو البعوضة التي قتلتِ النمرودَ السعودي، الذي تنمر وتجبّر على الداخل والخارج.
لما ادَّعى ذلك الملكُ الجبار (النمرود كما في روايات الأخباريين وسرجون الآكدي عند بعض المؤرخين) في العراق الألوهية، وحكم بالحديد والنار، وقذف بالنبي إبراهيم عليه السلام في النار، فأنجاه الله منها، وأمهله ليريه الآيات، لكنه ازداد عتوا وتجبُّرا، حتى وقوعه في قبضة الاستدراج الكبير، ليخبِّئ له القدرُ أن تكون نهايته على يد ذبابة، ليريَه الله تعالى، أن الجبابرة المتكبرين لما لم يتعظوا بكل الآيات التي رأوها، فإنه سيرسل الله عليهم أضعف خلقه، مثل البعوضة، لإهانتهم، وقتلهم.
من جانبٍ آخر، كانت الحربُ على اليمن في بدايتها تسمى في الصحافة الغربية (الحرب المنسية)، وكان هذا أمرا مريحا للدب المهبول؛ لكن الصواريخ اليمنية التي هزت الرياض وأبو ظبي، جعلتها مدوّية في أنحاء العالم، بيد أن الأحمق المتهور ابن سلمان الذي كان يرتكب جرائمه في اليمن بكل أريحية، ركونا إلى أمواله من جانب، وإلى نهيق حميره العالميين، و(أحمرته) المحليين، للتغطية على تلك الجرائم، وكانت (الأحمرة اليمنية) مشهودا لها بالسبق في هذا الميدان، وأنه لا يشق لها غبار.
بالطبع لم تخذُل أمريكا ابنَ سلمان وابنَ زايد في خياراتهما الجهنمية والعدائية في المنطقة، ولكنها بالتأكيد لا يمكنها مجاراةُ عبدٍ أحمق ومتهوّر، أرادوه عبدا طيعا، يقدم فروض الطاعة، ويلتزم بمبادئ الجماعة، لكنه صار متعاطيا أكثر من اللازم ولا ينضبط بخطوط الرغبة الأمريكية، وطالما تقرّب إليها بما يسيئها، ويفضحها، كأي أحمق يريد أن ينفعَك فيضرَّك؛ وإذا كان معروفا عن أمريكا أنها خذلت عبيدَها الملتزِمين، فكيف بعبيدها الآبقين؟!!
لن يَخرُج ابن سلمان من هذه القضية سليما معافىً، وهو بين سيناريوهين، إما أن تُفضيَ التطوراتُ والضغوطُ العالمية والداخلية (داخل الأسرة السعودية) إلى إقصائه واستبداله بآخر، وهو أمر مستبعَد حصولُه بسهولة، لكنه لو حصل فإنه يعني تغير الحكم في الرياض، ويعني القطيعة الكاملة مع كل ميراثِ ابن سلمان، ومن ضمن ذلك إسطبلُ حيواناته وبالأخص (أحمرته) اليمانية ذات الأصوات النكراء الأصيلة.
والسيناريو الثاني هو استمرارُه ولكن ضعيفا، مهيضَ الجناح، كسيرَ الطرف، منبوذا، لا يرغب أيُّ زعيم عالمي أن يظهر وإياه في صورة واحدة، ولا لقاءٍ واحد، سوى إسرائيل، وبعض أشباهِه في المنطقة، وسيبقى تحت الوصاية الأمريكية المشددة، وفي هذا ضعفه الذي لا يمكنه من رعاية حيواناته على النحو السابق.
ليس هناك سوى هذين السيناريوهين، لكن يمكن للمرتزقة في النتيجة النهائية الجمع بين الأختين، فإما أن يكونوا (الأحمرة)، أو (الأحذية).
في ذاتِ خطاب شبّه السيدُ القائدُ عبدالملك الحوثي هذا العدوانَ على اليمن تشبيها لطيفا، شبّهه بجسمٍ، عقلُه المدبِّر أمريكا، وقلبُه النابض إسرائيل، وجوارحُه المنفِّذة السعودية والإمارات، أما الأحذية فهم المرتزقة المنافقون من اليمنيين، التي إذا اهترأت استُبْدِل بها غيرُها.
كلا المستقبلين لابن سلمان يعنيان ضعفَ ابن زايد، وتقلُّصَ خياراتِه الجهنمية في المنطقة؛ لأن دور ابن زايد هو ظاهرة سخيفة ما كان لها أن تظهر بهذا الدور لولا ظهور ابن سلمان، وهو الذي اتخذه مطية لتحقيق رغباته الشخصية وطموحاته، والتي بات ينافس من خلالها ابن سلمان نفسه في كثير من الأمور للحصول على رضا الصهاينة والأمريكان.
وعليه فخروجُ ابنِ سلمان من المشهد فعليا أو تأثيرا سوف يصيبُ ابنَ زايد بالشلل، ولعل هذا هو بغية العثماني أردوغان الذي يريد أن يتناول ابنَ زايد من جُحر ابن سلمان؛ فضربة حمراء على رأس ابن سلمان ستميت دور ابن زايد، ولو سريريا؛ وهو الأمر الذي يفسِّر (أبكمية) ابن زايد أيام (خاشقجي)، فلا هو الذي يسمع ولا هو الذي يرى، ليترك حليفَه وحيدا تحت قصف عواصف الحزم والمقاطعة والحصار العالمية.
لقد بات ابن زايد وابن سلمان (المِدبِرَين العظيمين) في هذا العالم، فماذا يعني هذا بالنسبة للمرتزقة المنافقين من اليمنيين؟!
إذا سلّمنا أن كلَّ ما يجري في اليمن من ظواهرَ شاذة، وحروبٍ إجرامية، وتغيرات منحرفة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي كان نتيجة وصول ابن سلمان إلى القرار السعودي وتدخله في اليمن لإبراز صورته الحديدية، وهو الأمر الذي أرجّحه، فكلُّ هذه الأمور يجب أن تذهب مع ذهاب ابن سلمان ذهاباً فعلياً أو في التأثير.
إن مآلات تغيّر الوضع السياسي في السعودية تنذِر بأن الوضع الإقليمي ومنه الوضع اليمني سيتشكل تبعا لمآل ابن سلمان، فسقوطه يعني سقوطَ كلِّ أحجار (الدومينو) التي لعب بها، ويعني اهتراء كلّ الاحذية المحلية والعالمية، ويعني قطعا نفوق كل (الأحمِرة) المحلية، والتي رضيت بأن تكون مطايا العدوان على بلدها ومستقبل أجيالها.
إن قراءة استراتيجية للوضع ولطبيعة وتنوّع تلك (الأحمرة) و(الأحذية)، وعلاقتها ببعضها، وبنجمها الآفِل، تُبيِّن أن القادم في السعودية والإمارات سيترُك لهم أمرَهم ليتدبّروه، بالشكل الذي يُعفيهم من كثيرٍ من الالتزامات السياسية والعسكرية والمادية والاجتماعية، وإن كان ولا بد من تجديدٍ في (الأحمرة والأحذية) فهذا يعني ضرورة تغييرِ جميعها، ويعني استبدالَها بأجيال جديدةٍ، هي بالتأكيد ستحتاج وقتا لتعلم مهنة النهيق، والاستحذاء، وحينئذ يصدق عليها المثل المصري: (اربط الحمار جنب رفيقه، إما تعلّمْ من شهيقه، تعلَّمْ من نهيقه).
ولن تكتمل تجهيزات (الأحمرة) و (الأحذية) الجديدة، للوضع السعودي القادم، إلا وقد فات الوقت، وقد تحولت اليمن كل اليمن إلى غابة للأسود ستعطي كروتا حمراء من اللّهَب لأيِّ حمارٍ مُستحدَث يريد الدخول للعب فيها معها.
الحقيقة بأنه سيِّءٌ جداً أن (تربط حمارَك جنب حمار المدبر)، لكن الأسوأ والأنكى من ذلك أن تكون أنتَ (حمارَ) ذلك (المِدبِر) النافق، أو حذاءه المهترئ إن شئت التعبير الأدق.