مظاهرُ الحرب الناعمة.. وسبلُ مواجهتها
مقالات | 23 اكتوبر | مأرب برس :
بقلم / منصور البكالي :
حذّر قائدُ الثورة السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي من الحرب الناعمة وتداعياتها على شعبنا اليمني، داعياً الخطباءَ والآباءَ والتربويين والإعلاميين والمثقفين إلى القيام بدورهم الفاعل في مواجهة وإفشال مُخَطّطاتها المستهدفة لشعبنا اليمني وأمتنا العربية والإسلامية.
للأسف، لاقت تلك التحذيرات تفاعلاً محدوداً ومؤقتاً في الأوساط الشعبية ومن قبل الجهات الرسمية والمختصة دون معرفتنا للأسباب، مما دفعنا إلى تذكر ما جاء في خطاب قائد الثورة، ودعوتنا للقيادة السياسية والجهات المختصة بسرعة تفعيل ذلك في برامج وخطط عمل تبدأ من مراكز الدراسات والبحوث، ووسائل الإعلام ووزارة التربية والتعليم، إضَافَةً إلى وزارة التعليم العالي، وزارة الأوقاف والإرشاد، إضَافَةً إلى ضرورة تفعيل الرقابة الأسرية، والمدرسية والمجتمعية.
ومن هذا المنطلق يمكننا الإشارة إلى بعض من مظاهر الحرب الناعمة التي تحاول استهداف قيمنا ومبادئنا السامية، ومجتمعاتنا المحافظة، ومنها بعض الإجراءات للمنظمات الإنْسَــانية الفاعلة في تقديم المساعدات الإنْسَــانية في القطاع الصحي منذ بدء العدوان والحصار، ووصلتنا عددٌ من شكاوى المواطنين، عن بعض التعسفات المستهدَفة للقيم والمبادئ والعادات والتقاليد اليمنية المحافظة بحقهم في مراكز منظّمات الصحة العالمية، ومنها منظمة سوى التغذية، ومنظمة مكافحة الكوليرا.
وبالعودة إلى بعض مظاهر الحرب الناعمة في انتشار تعاطي الكحول والمخدرات، والاغتيالات في المحافظات المحتلّة، إضَافَةً إلى انتشار ظاهرة الحِلاقات الشبابية الخليعة وارتداء بعض الملابس المحاكية للغرب بين أوساط أبنائنا، وما يجري من عُري ورقص فاضح داخل صالات الأعراس وَحفلات النساء.
إضَافَةً إلى العلاقات المفتوحة عبر شبكات التواصل بين أبنائنا وبناتنا داخل المعاهد والجامعات الحكومية والخَاصَّـة، والأغاني الهابطة والفاحشة على وسائل المواصلات وحافلات نقل الطلاب والطالبات، ودخول شبابنا وَشاباتنا في عالم الانترنت دون وعي وبصيرة ورقابة سليمة، وفتح القنوات التلفزيونية والإذاعات الماجنة، الموجّهة لاستهداف قيمنا ومبادئنا، وضعف دور الشرطة الراجلة في الحدائق والمنتزهات العامة.
وعلى إثر ذلك توسّعت شبكات الجريمة وتعاطي المخدرات، وعقوق الوالدين، والتشرد عن المدارس والجامعات والتقليد الأعمى لكل ما هو غريبٌ على مجتمعنا وأَخْــلَاقنا وقيمنا المحافظة في أوساط شريحة الشباب.
هذه المظاهرُ تحتاجُ إلى استراتيجية لمحاربتها والانتقال إلى بناء قُـــوَّة ناعمة تنعشُ القيم والمبادئ الاجتماعية لشعبنا اليمني وتقدمها بصورتها الحقيقية كنموذج يمكن تصديره إلى الشعوب المجاورة، فتواكب قوتنا الصلبة لقوتنا الناعمة.
وأيُّ تجاهُلٍ لتأثير الحرب الناعمة على مجتمعاتنا، مع استمرار الإفراط في التركيز على دور القُـــوَّة الصلبة، سيقودُها إلى نتائجَ كارثيةٍ بعيدة المدى يصعب تفاديها وتداركها.
وإزاء هذا الوضع الحرج بات من الضروري إيجادُ حكومة قوية وواعية بخطورة المرحلة وحساسيتها، تستطيع إعادة النظر في الاستراتيجيات والسياسات القديمة التي أثبتت فشلها، على أن يكون هناك استعداد لتبنّي استراتيجيات وسياسات جديدة تنسجم مع حاجة شعبنا وحجم التحديات التي يواجهها، على مختلف المستويات العسكرية والاقتصادية.. لنأسسَ لمرحلة نملكُ فيها قُـــوَّةً صلبةً عاقلة، وقُـــوَّة ناعمة جاذبة ترسم معالم الطريق نحو مستقبلٍ أفضل لأجيالنا.
لذلك على القيادة السياسية -إن توفرت لديها الإرادة الصادقة في محاربة الحرب الناعمة والحصول على قُـــوَّة ناعمة تنافسية ومؤثرة- أن تبدأ سريعاً بإصلاح عوامل الضعف الداخلية التي تؤثر عليها سواء في موارد قوتها الناعمة أو قوتها الصلبة، وطريقة التعاطي بالقوتين في الميدان الداخلي والخارجي.
فعلى المستوى الداخلي نحتاجُ إلى مواجهة الحرب الناعمة من خلال انعاش مقومات قوتنا الناعمة المتمثلة بالقيم والمبادئ والتراث اليمني في المجالات الفنية والثقافية والحرفية..، إضَافَةً إلى إبراز ملاحم البطولة التي يسطّرها شعبنا اليمني العظيم في مواجهة العدوان عبر الكثير من رموز الجيش والجان الشعبية الذي قدموا دروساً عظيمةً ومشاهدَ تقشعر منها جلود الأعداء والمتابعين، في شجاعتهم وصمودهم وثباتهم وإنْسَــانيتهم وتعاملاتهم مع الأسرى عبر فعاليات وندوات ثقافية، إضَافَةً إلى ما قدمه الشعب اليمني من إبداع وموروث ثقافي وفني للأجيال المتعاقبة كإنتاج الزوامل الحماسية والشعر المقاوم بأنواعه المختلفة.
أما على المستوى الخارجي يجبُ على القيادة السياسية الاهتمامُ بالتعليم الجامعي وتطويره وتعدد التخصصات التي يبتعث أبناء شعبنا لتعلمها في الخارج، وإكساب جامعاتنا القدرة على التنافس والتفوق على الجامعات في المنطقة، إضَافَةً إلى تطوير القطاع الصحي والارتقاء بمستوى خدماته المقدمة للمواطن، وتطوير مهارات كوادره، وشراء الأجهزة والمعدات الطبية غير الموجودة؛ لنجنب شعبنا اليمني عنا السفر للعلاج في الخارج والانجذاب لثقافاته، والذوبان في بوتقته وتنفيذ مُخَطّطاته وأهدافه الاستعمارية.
ولن يكون لنا ذلك ما لم ننعش قيمَ الحرية والعدالة والمساواة بين أبناء شعبنا اليمني ونحارب كُـلّ مظاهر المحسوبية والوساطة والرشوة والاستحواذ، ونشجّع القطاع الخاص، فنتمكن من صناعة قُـــوَّة ناعمة قادرة على مواجهة الحرب الناعمة ومهاجمتها والتغلُّب عليها من خلال شد أنظار الشعوب نحو شعبنا اليمني الذي تغلّب على أقوى قُـــوَّة عسكرية في الأرض وغير كُـلّ الاستراتيجيات لمصلحته خلال ما يقارب أربع سنوات.
فنحن أقوياء بالله وكتابه وأعْلام الهدى والقيم والمبادئ اليمنية الأصيلة وينقصنا العودة إلى تلك القُـــوَّة وإنعاشها.