«ليلة الرعب» في عدن: هكذا هاجَمَنا «مرتزِقةُ» الإمارات
متابعات | 20 اكتوبر | مأرب برس :
عشرات الأشخاص من خيرة رجالات عدن والجنوب راحوا ضحايا اغتيالات ممنهجة أدارها مرتزقة أمريكيون بتمويل إماراتي، بحسب ما كشفه موقع «بازفيد» الأمريكي، الذي أورد شهادات لمرتزقة استقدمتهم الإمارات إلى عدن لإنهاء حياة رجال دين ومثقفين وإعلاميين ومواطنين، وكانوا يوثِّقون ذلك بالصورة الحية ثم ينسبونها لاحقاً لتنظيم «الدولة».
كنا هناك
صحافيون كانوا داخل مقر حزب «الإصلاح» أثناء حادثة الرعب، التي كانت تستهدف القيادي في الحزب إنصاف مايو، وهي الحادثة التي اعترف بتفاصيلها المرتزقة، وكانت تصوّرها طائرة «درون»، ويمكن أن تكون هي الخيط الذي يكشف الجرائم الإرهابية كلها التي نفذوها، وموّلتها أبوظبي.
عن ذكرى تلك الليلة، يقول الصحافي عبدالله دوبلة، الذي كان متواجداً بمعية زملاء له في المبنى المستهدف، في حديث خص به «العربي»، إنها «ذكريات مرعبة وزادت رعباً بعد معرفة حجم التخطيط لها»، مضيفاً أنها «جريمة منظمة مرعية من دولة في التحالف أكيد الأمر مرعب».
وكان دوبلة قد نشر على حسابه في «فايسبوك»، تفاصيل الحادثة التي أرعبته بمعية زملاء له، مسترجعاً شريط أحداث تلك الليلة، قائلاً: «كيف يمكن للمرء أن يستعيد ذكرياته عن ليلة مرعبة كادت أن تؤدي بحياته، في هجوم إرهابي اكتشف مؤخراً أن وراءه مرتزقة أمريكيون استأجرتهم دولة شقيقة قيل أنها أتت لمساعدة اليمن واليمنيين»، وأوضح أنه «في مساء 29 ديسمبر 2015، كانت الأجواء عادية في مكتب النائب البرلماني إنصاف مايو، بكريتر عدن، وهو رئيس التجمع اليمني للإصلاح في المحافظة، وقد اتخذنا من دوره الأعلى سكناً لنا كصحافيين».
ذكريات ليلة مرعبة في عدن
وأوضح دوبلة أن مايو كان قد غادر المقر، وبعد مغادرته بدقائق قليلة دوى «انفجار كبير ومزدوج استهدف باب المكتب الخارجي، وأيضاً سيارة مفخّخة للمهاجمين بالقرب من الباب»، مستطرداً «كنا أقل من 10 صحافيين، شماليين وجنوبيين، ورئيس الدائرة الإعلامية لإصلاح عدن خالد حيدان، والحارس الصبيحي الذي لم يكن يمتلك سوى رشاش كلاشنكوف».
وتابع «عشنا حالة رعب رهيبة وكنا نتخيل أن المهاجمين سيدخلون علينا في أي لحظة للقضاء علينا»، مشيراً إلى أن «المهاجمين غادروا المقرّ، وبعدها أتى الأهالي إلينا وأبلغونا أن بعض المهاجمين كانوا يتحدثون اللغة الإنجليزية».
وأضاف «دخل علينا مواطنون من جيران المبنى وقالوا إن المهاجمين قد رحلوا، وإنهم كانوا يتحدثون الإنجليزية ولم أفهم ماذا يعنون بالإنجليزية… إلا أن التقرير المنشور في الموقع الأمريكي (بازفيد نيوز) فسّر هذه المسألة، حسب شهادة المهاجمين أنفسهم بأنهم مرتزقة أمريكيين استأجرتهم الإمارات لاغتيال النائب إنصاف مايو».
وطالب دوبلة، في حديث خاص مع «العربي» بـ«ضرورة محاسبة الفاعلين والممولين لأجل اليمن، وسلامة أبنائه»، وشدد على ذلك قائلاً إنه «يجب أن لا تمر هذه الحادثة مرور الكرام».
أوضح أن «هذه العملية التي كانت من أوائل العمليات في عدن بعد التحرير هي المفتاح لمعرفة كل الجرائم التي حدثت في تلك الفترة وما بعدها، بما فيها العملية الإرهابية التي أودت بالمحافظ جعفر سعد، والأئمة والخطباء في عدن».
وأكد أن هناك توجهات نحو محاكمة الممولين والفاعلين، قائلاً «هناك تواصل مع منظمات دولية لتوثيق الشهادة. وإن أمكن قد ترفع دعاوي أمام محاكم مختصة، لملاحقة الجناة والمخططين لها».
جريمة «مفتاحية»
محاولة اغتيال إنصاف مايو، يفصل بينها وبين جريمة اغتيال محافظ عدن جعفر سعد 23 يوماً فقط، وهي الجريمة التي فتحت باباً إلى سلسلة من الجرائم التي طالت وأوغلت في دماء المدنيين وحوّلت حلمهم في سير عدن نحو السكينة والطمأنينة، واستئناف حكومة «الشرعية» لنشاطها من عدن إلى جحيم، وحولت معه المدينة إلى سجن رهيب تعيث فيه، مع أذرعها، فساداً لم يتوقف. هذا الأمر يؤكده الصحافي الجنوبي عبدالرقيب الهدياني، نائب رئيس مجلس الإدارة نائب رئيس التحرير في مؤسسة «14 أكتوبر» للصحافة والطباعة والنشر الحكومية، الذي كان متواجداً ليلة الهجوم، الذي وصفه بالإرهابي، مع زملائه في المبنى.
يقول الهدياني في منشور له على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»: «كنا 10 صحافيين من عدن وزملاء لجأوا إلينا من محافظات عدة… نتخذ من الدور الثاني مكاناً لإنجاز أعمالنا، بينما الدور الأول هو مكتب البرلماني إنصاف مايو»، مضيفاً «كان يغمرنا شعور كببر أن مدينة عدن قد عادت لسيطرة الحكومة الشرعية، وفي طريقها لتفتح سفارات الدول وينتعش الإعلام باعتبارها العاصمة المؤقتة، ومن يعول عليها قيادة مشروع إعادة الشرعية إلى كل اليمن وإنهاء الانقلاب».
وأشار إلى أن «الهجوم على مكتب إنصاف مايو، الذي كنا نتواجد فيه يوم 29 ديسمبر 2015م، هو ثاني حادثة تشهدها عدن بعد اغتيال المحافظ جعفر محمد سعد، في نفس الشهر وتحديداً 6 ديسمبر وبين الحادثتين 23 يوماً فقط».
أدوات محلية
وأشار الهدياني إلى أدوات الإمارات التي سيطرت فعلياً على عدن بعد هذه الجريمة، وما تزال تستعملها أبوظبي لغسيل جرائمها وتنفيذ مخططاتها، لترويع المناهضين لها ولمشاريعها في عدن والجنوب واليمن، أو للسيطرة على موارد البلد ومناطقه الإستراتيجية، لافتاً إلى أنها «نفس المدة منذ تسلم المحافظ الجديد عيدروس الزبيدي مقاليد المحافظة هو ورفيقه شلال شائع القادمين من أبوظبي وبعد أشهر من إعدادهما هناك». وهي إشارة من الهدياني تفتح المجال على تساؤلات متعددة، كان قد أشار إليها حقوقيون ومراقبون وإعلاميون، عن إمكانية التنسيق مع تلك الأدوات التي درّبتها أبوظبي وأعدتها بإحكام، لإثارة الفوضى والسيطرة على البلد وسفك دماء كل مناهض أو معارض للوجود الإماراتي في اليمن.
هذا الأمر وضّحه الهدياني في منشوره الذي يفسّر قدرة المرتزقة على الفرار من موقع الجريمة المغلق والمحاط بنقاط عسكرية على طول الخط. وفي هذا الصدد يقول «يقع مكتب إنصاف في مدينة كريتر وقريب جداً من البنك المركزي، وهي مدينة محكمة الإغلاق عبر منفذين فقط: من اتجاه سوق عدن مول الدولي، والآخر من طريق العقبة، وهناك نقاط أمنية في المنفذين يصعب العبور منهما من دون تفتيش».
ويؤكد الهدياني تواطؤ وتماهي تلك الأدوات التي يعتبرها مراقبون تابعة للإمارات، بقوله: «الساعة التاسعة من مساء 29 ديسمبر تمركزت على غير العادة مدرّعة إماراتية بجوار البنك الأهلي على بعد مئة متر تقريباً شمال المكتب المستهدف، شاهدتها بنفسي من سطح المكان واعتقدت أنها لتأمين البنك»، مضيفاً «وهناك مدرّعة أخرى مع حراس البنك المركزي على بعد 50 متراً تقريباً جنوب المكتب المستهدف، إضافة إلى نقطة تفتيش أمنية أخرى على بعد أمتار شرقاً في تقاطع الخط الواصل نحو صيرة. بمعنى أن المكتب في منطقة محكمة تحيط به النقاط الأمنية بإحكام ويصعب العبور إليه دون تسهيلات».
وفي ظل هذه الأجواء، يضع مراقبون ما تشهده عدن، ويشهده الجنوب، من اضطرابات مهولة في إطار مسلسل إثارة الفوضى والتخلّص من الخصوم من أجل السيطرة على البلد، وهو ما تم بالفعل.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو «لماذا ما تزال الشرعية صامتة حتى اللحظة بالرغم من معرفتها لكل ما يحدث؟»، يُجيب الصحافي دوبلة على هذا السؤال بالقول، إن «الحكومة مرتهنة للتحالف بالكامل وهذا يفقدها شرعيتها».
(العربي)