بين ثورة الإمام زيد .. وثورة اليمنيين
مقالات | 16 اكتوبر | مأرب برس :
بقلم / حمود عبدالله الأهنومي :
تتشابه ثورة اليمنيين الراهنة في كثير من عناصرها بثورة الإمام زيد، ولا غرابة في ذلك؛ فهذه الثورة هي في الحقيقة امتداد لتلك الثورة، ولولاها وآثارها والمؤمنون بقضيتها في هذا البلد لما كانت ثورة، ولما حمل اليمن كبلد وحيد لقب (مقبرة الغزاة) أو (الأتراك)، من بين سائر الشعوب، وفي هذه الحلقة سنتناول ثلاثة عناصر تؤكد فرضية امتداد هذه الثورة من تلك، وهي التالي ذكرها:
8- ثورة العلماء والفقهاء / ثورة تتجاوز المذاهب والتيارات الفكرية والمذهبية
أورد المؤرخ أبو الفرج الأصفهاني، بابا فيه: “تسمية من عُرِف ممن خرج مع زيد بن علي من أهل العلم ونقَـلَة الآثار والفقهاء”، وذكر مِنْ بينهم منصورَ بنَ المعتمر، و يزيدَ بن أبي زياد مولى بني هاشم صاحب الفقيه عبدالرحمن بن أبي ليلى، والإمام أبا حنيفة النعمان بن ثابت، وهلالَ بن حباب، قاضي المدائن، وزبيدَ اليامي، وسلمةَ بن كهيل، وهارونَ بن سعد، وهاشمَ بن البريد، وأبا هاشم الرماني، والحجاج بن دينار، وسفيانَ الثوري، وعبدة بن كثير الجرمي، والحسن بن سعد الفقيه، وغيرهم، حتى لقد سميت ثورته بــ(ثورة العلماء).
إن ذلك بقدر ما يشير إلى أصالة الثورة، وأنها كانت ثورة واعية، ولها مرجعيتها الفكرية والثقافية الأصيلة؛ فإنه يشير إلى كون العلماء والمفكّرين هم الحامل الثقافي والفكري الذي نقل أفكارَ تلك الثورة إلى المجتمع المسلم، وهيّأه لمرحلة التغيير وإزاحة الحكم الأموي من الوجود.
وكذلك اليوم فإن علماء اليمن والعلماء الأحرار في كل بلدان المجتمع المسلم صدعوا بالحق، واستنكروا العدوان، وأزهقوا أباطيله، وواجهوه ثقافيا وفكريا ودعويا وإرشادا وتوجيها، بل وتحرَّك كثيرٌ من العلماء الشباب ليتبوَّأوا مقاعدَ قيادية في حركة الجهاد ضد المعتدين، وشاركوا مشاركة عسكرية فاعلة، واستشهد العشرات منهم في معارك العزة والكرامة والشرف والرجولة.
وكما كان المؤيِّدون لثورة الإمام زيد من مختَلَفِ التيارات الفقهية والفكرية الإسلامية فكذلك العلماء المجاهدون اليوم ينتمون لمختلف التيارات والمذاهب الفكرية والفقهية الإسلامية، فاتَّحد الزيديُّ والشافعي، والسلفيُّ والصوفي، والجعفري والإسماعيلي، جميعهم في صفٍّ واحدٍ ضد العدوان، الذي يحمل عدة وجوهٍ، طائفية، ومناطقية، وغربية، وليبرالية، ودينية متزمِّتة، ولكنه في حقيقة أمره عدوان شامل على البشرية جمعاء.
لقد حمل هذه الثورة المشروعُ القرآني الجامع، الذي انطلق من منطلقات إنسانية جامعة، وهدف إلى تحقيق كرامة الإنسان، وحريته، واستقلاله عن تأثيرات المضلين، وانطلق مع القرآن الكريم ومبادئه وكلياته التي لا يخالف فيها أحد، وكذلك كان الإمام زيد، وكانت ثورته، ومبادئه، وقيمه، وأهدافه، كلها كانت جامعة، ويحتاجها جميع أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يخالف عليها مخالف.
اللهم إلا ما كان من أمر أولئك (الروافض) والذين اشتُق لهم هذا اللقب، والنبز، لكونهم رفضوا القتال تحت لواء الإمام زيد، فإنهم بحثوا عن التعليلات والأعذار التي اختفوا وراءها تغطية لجبنهم، وفشلهم، ولا يهمنا تلك الروايات التي تذكر سبب رفضهم للقتال معه، أيا كانت، بقدر ما يهمنا أن وصف الرفض جاء من رفضهم للقتال، وليس بسبب موقفهم السياسي من زيد أو عمرو، وهذا ما يجب أن نحذره اليوم؛ فلليوم أيضا رافضته، الذين يرفضون الجهاد والانخراط في هذه الثورة بذات الأعذار، والتعليلات التي أوردها أسلافهم، ولم يخل قائم بحق، ولا ثائر من أهل بيت النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلا ووقف في وجهه فئة أو جماعة تنصلوا عن تحمل المسؤوليات، وأطلقوا كثيرا من التعلات الفارغة.
لقد ألَّف الإمام القاسم العياني في القرن الرابع والخامس الهجريين (كتاب الرد على الرافضة)؛ لما رأى بعضا من المتدينين يتلكأون عن خوض معمعة الجهاد ويذرون عللا شتى، وأعذارا باردة، فسماهم (الرافضة)؛ باعتبار المصطلح وصفا يصدق على كل من رفض الجهاد الواجب عليهم.
9- علماء .. على أشلاء الضحايا
وفي المقابل ذاكم عالم السوء وتراث الداعشية (الزهري) المقرَّب من الأمويين، الذي كان يقف الليالي الكثيرة حارسا لجثة الإمام زيد بن علي، وهي مصلوبة على جِذْعِ نخلة، كان يبارك طغيان الطغاة، ويضفي الشرعية على جرائم البغاة، مثله مثل مفتي آل سعود، عبدالعزيز آل الشيخ، والسديس، والقرني، والزنداني، وصعتر وهم ينبحون بفتاواهم على أشلاء عشرات الآلاف من أطفالنا، ونسائنا، ثم لا يلبثون أن يقولوا كأمّهم جهنم: “هل من مزيد”، ويكذِبون عمدا بأن شعب الحكمة والإيمان، مجوسٌ يعبدون النيران، افتراءً على الله، وتعديا على حرماته.
يجب أن لا ينسى المظلومون في اليمن أن منظومة علماء الوهابية كرَّست ادعاءات دينية باطلة وكاذبة قدَّمتها ذريعة لقتلهم وتدمير بلدهم، فهذا أعمى البصر والبصيرة مفتي السعودية عبدالعزيز آل الشيخ، بتاريخ 6ـ6ـ1436هـ في لقاء تلفزيوني يدعي بما يُبْكي ويُضْحِك، وهو أن اليمنيين “يسعون لإضلال الأمة عقائديا وأخلاقا وقيما وسلوكا، يريدون طمس الإسلام وأن يبدِّلوا عقائد الناس، يريدون أن يبدلوا دين العرب ولغة العرب”. ويصف ما قام به العدوانُ من قتلٍ وتدميرٍ بأنه: “عمل مبارك وخيّر”.
وأما الداعية الإخواني، سلمان العودة، فقد غرَّد في حسابه على التويتر بتاريخ 26 مارس 2016م مشيدا بعاصفة الجرم والإبادة الجماعية، واعتبرها موقفا شجاعا ومنتظرا، ومثله عوض القرني، فقد صفق للعدوان، وكتب على سبيل المثال يتغزّل بتغريداته على التويتر بتاريخ 5 إبريل 2015م في عاصفة حقدهم، و أثنى بتاريخ 27 يوليو 2015م في تويتر على عمليات التفجير والتفخيخ التي تنفِّذها مملكة قرن الشيطان في صنعاء من خلال ما يسمى بداعش، وهو الإخواني نفسُه الذي استقبل الشيخ عبدالمجيد الزنداني في بيته في أبها واحتفى به، وهو الذي تلطّخ بعار تأييده لـما سمي بـ«عاصفة الحزم»، وأفتى بأنها «جاءت لإغاثة بلدٍ جارٍ وشعبٍ مكلوم وقيادة شرعية استنجدت لوقف العبث بأمن ومقدَّرات اليمن والحفاظ على شرعيته ووحدته الوطنية وسلامته الإقليمية واستقلاله وسيادته».
ومع كل ذلك فإن سخرية القدر، وعدالة الله عجّلت بعقوبة معظم هؤلاء، فإذا بكثير ممن هللوا وصفقوا لتلك العاصفة الشيطانية، يُجَرْجَرون إلى سجون ومعتقلات مَنْ صفقوا له، وباركوا عدوانه على شعب الإيمان والحكمة، فصدق عليهم الأثر المروي (من أعان ظالما أغري به).
أما إمام الحرم المكي عبدالرحمن السديس فقد اعتبر عاصفة الحقد الشيطاني حربا سيُسَجِّلها التاريخُ بمدادِ الذهب، ثم انتهى به الحال لأن يُصَرِّح في سبتمبر 2017م مُشِيدا ومُثنِيا على ترامب وسلمان بأنهما يقودان العالم إلى مرافئ الأمان والرفاه، وداعيا لهما بالخير.
ولن ننسى إشادة الدكتور الإخواني المتملِّق عايض القرني بقصف جبل عطان بتلك القنبلة النيتروجينية، التي قتلت المئات من المواطنين ودمَّرَتْ بيوتَهم، ولن ننسى قصيدته الشيطانية بعنوان: (لبيك يا سلمان)، دعما للحرب على يمن الإيمان، متَّهِما أبناء اليمن بأنهم (عصبة الشيطان وعباد الوثن)، ومطالبتَه فيها بإحراق اليمنيين الذين وصفهم بـ(أذناب المجوس، وسراديب العمالة)، ورجا أن يُشفَى غليلُه الملتهب بنار الحقد بضرب اليمنيين.
ها هم أولاء قد شهدوا بهذه الشهادات الآثمة، وأفتوا بفتاوى التدمير والقتل وهدم البيوت على رؤوس أهلها، وباركوا قصف المشافي، والمساجد، والأسواق، والقرى، والمدن، بالأسلحة المحرمة، والقنابل الكبيرة، وباركوا مئات المجازر البشعة؛ لهذا يجب أن لا ننسى هؤلاء الأفاكين الكَذَبة، وفتاواهم البعيدة كلَّ البُعد عن دين الله، وأن نعلم علم اليقين أنهم أبعدُ مَنْ يكونون عن منهج الله وشرعه ورحمته بعباده، وأن منهجهم ومذاهبهم وأفكارهم ليست من الدين في وِردٍ ولا صدَر.
إن ما يرتكبه العدوان – الذي يباركه هؤلاء المداهنون شهود الزور – من جرائم لم يعهد لها التاريخ مثيلا، ليس جديدا على هذه الأصناف من البشر، فجديد أحدهم (صعتر) هو تجويزه لأن يقتل 24 مليون يمني، لكي يحيى مليون نسمة فقط، ولو أننا عدنا إلى جرائم الأمويين وما ارتكبوه بحق النساء والأبرياء لوجدنا هناك تراث هؤلاء الدواعش.
10- قلق الطغيان من قوة البيان/ التكتيم الإعلامي
كشف السيد القائد عبدالملك الحوثي – في خطابِ ذكرى ثورة 21 سبتمبر 2017م – أن مجلس سفراء دول العشر هدّده بالسكوت والصمت عند أحداث ثورة 21 سبتمبر 2014م، وأنه سخِر من تهديداتهم، ورمى بها عرض الحائط.
إن ذلك تجلٍّ جديد، وصورة متكرِّرة نجدها في مسيرات زعماء التغيير والثورات الشعبية في مواجهة الطغاة والمستبدين، ويتشابهُ ذلك إلى حدٍّ كبير مع تعميم الدولة الأموية المستبِدة إزاءَ خطاباتِ الإمامِ زيدِ بنِ عليٍّ عليه السلام.
لقد أصدرت السلطةُ الأموية قرارًا بمنع الجماهير المُسْلِمة من الاحتكاك بالإمام زيد بن علي، أو السماع لمواعظه، وخُطَبِه، وتفسيرِه للقرآن، وهدّدت مَنْ يُخَالِفُ ذلك بالضرب والعقوبة الجسدية والاقتصادية، بذريعة أن لسانَ الإمامِ زيدِ بنِ علي له حدٌّ كحدِّ السيف والأسنة، وأثرٌ كأثر السحر والكهانة، تقول إحدى الوثائق الأموية عنه عليه السلام: “إن له لساناً أقطعَ من ظبة السيف، وأحصدَ من شبا الأسنة، وأبلغَ من السحر والكهانة” كما ورد لدى (القيرواني الحصري ت453هـ، في كتابه زهر الآداب)، هذا الوصف وإن كان ينسجم مع ما أُثِرَ عن الإمام زيد من وصفِ معاصريه له، بقوة البيان، وجميلِ المنطِق، وفاعليةِ الحجة والبرهان، إلا أنه يكشف حجمَ القلقِ والخوفِ الذي دوما يساور السلطات الظالمة جراء كشف الحقائق للناس، وإطلاعَهم عليها.
اعتاد الظالمون الاستثمار في بيئات الجهل، والخوف، وتزوير الوقائع والأحداث، فإذا ما جاء صوتٌ آخَر يُعَبِّر عن نبضِ الحقيقة، ولا ينسجم مع الواقع المظلم الذي صنعوه – اعتبروه خطرا وجوديا يتهدَّد عروشَهم، بل ووجودَهم المتأثل بالأكاذيب والمختلَقات؛ وكذلك كان الأمويون يفعلون، ويجري اليوم على منوالهم السعوديون، الذين جمعوا بين لؤم الخسيس المتسيِّد، وخسة العميل المنبطح.
اليوم سلطة العدوان السعودي الأمريكي ورغم أنها تملك وتهيمن على أكثر من 95% من وسائل الإعلام، ورغم أنه يمكنها أن تختلق أكذوبة مفضوحة لتجعلها متصدِّرة في الأخبار العالمية والمحلية كحقيقة، ولكن خليقٌ بكلِّ مَنْ اطَّلع عليها أن يَرُدَّها، ويُكَذِّبَها لأول وهلة، كما هو واقعُ أكذوبةِ استهدافِ مكةَ المكرمة بصاروخٍ يمني، غير أن دول العدوان مع كل تلك الإمكانات فإنها لم تتحمّل بضع قنوات إعلامية، بل حتى قناة واحدة، مثل قناة المسيرة تنقل الحقيقة، وتكشفها لجماهير الناس.
طوال سنوات العدوان عمد العدوان السعودي الأمريكي إلى التضييق ومحاولات الإغلاق والتشويش لقنواتٍ تنقل حقيقة ما يجري في اليمن، ويعلم الجميع محاولتهم في إغلاق قناة المسيرة والتشويش عليها في محطات متعددة؛ فقط لأنها تضيء شيئا يسيرا من هذه العَتَمة الموحِشة والمُظْلِمة في عالم الأوهام التي سماها الطغاة والمغفلون حقائق، أغلقوها أو شوشوا عليها؛ لأنها فقط تنقل الكلمة الصادقة، وتكشف بعضا من هذا الزيف المتراكِم على مسمَعِ ومرأى هذا العالم كقطعٍ من الليل المُظْلِم المتكاثِف، لكن هذا يشيرُ بأن قوة الحق هائلة وجبَّارة، وأن قليلا من الحق كفيلٌ بتحطيم الكثير والكثير والكثير من الباطل، وأنه كما يتصدَّى قلةٌ من المجاهدين العظماء لجحافلَ بشريةٍ ومادية هائلة من الطغيان كذلك فإن قناة واحدة يمكنها أن تقاوِم آلافَ القنوات، وأن تفضَحَها على رؤوس الأشهاد، ويكون تأثيرُها والخوفُ منها أكبرَ بكثير مما نتصوَّر.
وهذا ما يحتّم على المتحرِّكين في مجال الحق توسيعُ دائرة نشر الحقيقة واكتساب الخبرات المعرفية والفنية لنشرها بطريقة لائقة، فالإمام زيد كان يملك الحجة الدامغة، ولكن تقديمُه لها بالطريقة اللائقة كان الخطرَ الإضافيّ الفاعل على الظالمين، وهو ما يجب العمل عليه اليوم، وجديرٌ بمن يكون على قسطٍ من ثقافة الإمام زيد أن يترك المكايدات البينية، والنزوات الشخصية التي تضرُّ موقفَ الحق، وتجلِب على أهله التراجع، وتسبِّب لهم العقوبة الإلهية ولو بتأخير الانتصار.
.. وللموضوع بقية ..